ثورة أون لاين- بقلم رئيس التحرير: علي قاسم:
تشدّ الأسرة الحاكمة في أرض نجد والحجاز خيوط رقصتها الأخيرة، وهي تدرك بالفطرة التي أنشأتها أن الجولة الأخيرة من التلاعب بخيوط الوجود والامتداد باتت واهية، وبعضها يتقطّع في منتصف الطريق، وما بقي منها يصارع في النَفَس الأخير من لعبة فاقت قدرة وجودها الوظيفي على استيعاب ارتداداتها.
وعلى مسرح الصراع من أجل البقاء تتداعى غرباً وشرقاً وتجول دبلوماسيتها في ربع الساعة الأخير على جبهات التصعيد من منبر الأمم المتحدة إلى عواصم العالم.. من باريس وصولاً إلى موسكو، مروراً بكل العواصم التي اعتادت أن ترتادها في سياق رحلة الدور الوظيفي على مدى عقود تقارب العشرة إلا قليلا، بعد أن أرهقتها رحلة الأقبية السرية والغرف المغلقة فاستعاضت عنها بطاولة مكشوفة أسقطت عبرها حتى ورقة التوت الأخيرة.
ليس من العبث أن يصل السعار السعودي حدّه الأقصى، وأن يتجاوز في بعض مظاهره حدود الحافة، ويدخل في المحظور بكل الاتجاهات، وتصبح الخطوط الحمر المعمول بها سعودياً من الماضي، وتتحوّل لغة الشحن والتحريض إلى منصة للقصف يميناً ويساراً.. شمالاً وجنوباً، فتضيع الاتجاهات بالنسبة لها، ويصبح الصوت الإسرائيلي لغة تحاجج بها السعودية، وتنطلق دبلوماسية بني سعود في تبنّي الأجندات ذاتها، وتتقاطع معها إلى حدّ التطابق.
والمسألة ليست محصورة في جانب وحيد، بل تتفرّد مع إسرائيل في كل المواقف التي تتخذها في تصعيدها الأخير، بدءاً من المطالبة بوضع حزب الله اللبناني على قائمة التنظيمات الإرهابية وصولاً إلى التحريض العلني على أي اتفاق في الملف النووي الإيراني، مروراً بكل القضايا التصعيدية التي سجلت فيها دبلوماسية بني سعود حالات غير مسبوقة في دعم الإرهاب على مدى العقود الماضية، وكانت المنتج والمموّل والحاضن والموزّع أيضاً، والقائمة تطول!!
والسؤال الفعلي اليوم.. إلى أين يريد بنو سعود أن يوصلوا الأمور، وهل في حلبة الرقص الأخيرة كانوا يهرولون وراء خيوط بدأت تنفلت من بين أصابعهم، بعد أن شعروا بأن البساط قد سُحب من تحت أقدامهم، أم أن للمسألة وجوهاً أخرى ترتبط بالمهمة الوظيفية.
في الإجابة المتاحة ليس من الصعب إدراك التداخل في العوامل الكثيرة التي تدفع بهم إلى هذا المجون السياسي والدبلوماسي والإعلامي التحريضي، لكن ما يطفو على السطح يكفي منطقياً للحكم على الحالة الهستيرية التي تتعاطى بها قنوات العمل السعودية من أسفل الهرم حتى قمته، وخصوصاً في الجانب الدبلوماسي بعد أن أدركت أن عملية دعم الإرهاب وحدها لم تعد تكفي، بل تتلمس عوامل ارتداد معاكسة.
الأخطر كما يقولون في العرف السياسي ربع الساعة الفاصلة التي تتحوّل فيها الحماقة إلى تهوّر، والمجون السياسي إلى عربدة، والتحريض إلى تفخيخ وتفجير وإشعال، حيث لا تكتفي حينها بأدوات العمل التقليدية، بل تلجأ في الغالب إلى أعمال استفزازية تحاول شدّ الخيوط جميعها نحو الهاوية، في محاولة الدفع بالمنطقة والعالم إلى عنق الزجاجة الأخطر.
فالغرب الصامت على مجون سعودي غير مسبوق، وعلى تهوّر وحماقة قل نظيرهما في سياق أي سلوك سياسي، حتى بلغة المرتزقة والقتلة والمأجورين، يتحرك على صفيح ساخن ومنزلق تراوده فيه الأطماع الشخصية لبعض صبية السياسة الأوروبية بنسختها الفرنسية، ومن زاوية التشارك في المهمات القذرة التي تمارسها السعودية حين يعجز عنها المرتزقة والإرهابيون وتنظيماتهم المختلفة.
هنا قد تكون العقدة الأخطر في سياق الرقصة السعودية على حبال الموت والقتل، وداخل متاهة الخيوط المترابطة من المصالح والأطماع، وتحت راية العوز لمهمات إضافية، بعد أن تكشّفت عورات مهماتها وملامح عجزها وفشلها في جرّ المنطقة والعالم إلى حيث تطلبه الرغبة الإسرائيلية من تحت الطاولة ومن فوقها، ووفق ما تقتضيه مشيئة الأطماع الوظيفية على وجه التحديد.
لكن تبقى تجربة التاريخ حاضرة بوجوهها المختلفة وفي الصفوف الأمامية لما تجرّه خلفها ذيول الخيبة التي تترجمها نواقيس خطر ورايات تحذير تجتمع من كل الاتجاهات بأن الآوان قد حان لكي يغلق التاريخ صفحة على مرارة وجودهم داخل حلبة التفاهمات والأطماع إلى غير رجعة، حيث أرذل العمر يتربص ببقايا ما أنتجته الأصابع السعودية وهي تحترق بنيران ما أشعلته.
a.ka667@yahoo.com