د. جورج جبور:
من “معنى النكبة” إلى مؤسسة الدراسات العربية، إلى مؤسسة الدراسات الفلسطينية، إلى كتاب قد يعاد طبعه بعد 54 عاماً من نشره.
لا يأتي مفاجئاً الانتقال إلى رحمة الله لمن هو في عامه الثاني بعد التسعين، إلا أن قلة من الراحلين من نعود إلى ذكرهم بعد 24 سنة من انتقالهم.
ولد المفكر الكبير الدكتور قسطنطين زريق في دمشق يوم 18 نيسان 1909 وتوفي في بيروت يوم 11 آب 2000.
لماذا أعود إلى ذكره هذا العام؟ لأننا حين لم نهتم كثيراً بما دعا إليه قسطنطين زريق في “معنى النكبة” حلت بالعالم كله نكبة العودة إلى ما قبل عالم القانون الدولي والمنظمات الدولية كما شهدت بذلك ضمناً وثيقة من محكمة العدل الدولية قرأها رئيسها القاضي نواف سلام.
كان زريق، الدمشقي من حي باب توما، يافعاً حين توج فيصل بن الحسين ملكاً على بلاد الشام، فرح بالوفود القادمة إلى دمشق للمباركة، ثم كانت ميسلون، ثم كان بدء تنفيذ وعد بلفور في فلسطين، ثم كان الكتاب الأحمر وعصبة العمل القومي، ثم كان فجر في العراق مع الوعي القومي، وانتهى تطور الأحداث إلى 1948, إلى عام النكبة.
المشهد: دول عربية ضعيفة في قلبها كيان مسلح متحفز، النكبة معاشة، ما معناها؟ يدعو زريق في علم النكبة إلى معالجة النكبة بالعلم، يجتمع العلم في مؤسسة للدراسات العربية.
أكتب فينهض سؤال اعتراضي لكنه جوهري، هل من علاقة غير مرئية بين زريق وساطع الحصري؟ بين فكرة في كتاب صدر في بيروت وبين معهد أنشأه الحصري في القاهرة؟
تجددت النكبة عام 1967، ومعها أتت مؤسسة الدراسات الفلسطينية في بيروت، أقطابها تلاميذ زريق، علمها محترم في جهات العالم الأربع، الأساس ليس الجامعة الأمريكية في بيروت بكليتها، بل جمعية “العروة الوثقى” الطلابية التي تعمل بإشراف زريق، ولد مع المؤسسة أخ لها هو مركز الأبحاث الفلسطينية الذي يعمل بإشراف منظمة التحرير الفلسطينية.
أول العمل علم وأول العلم مؤسسة. كانت المؤسسة للشؤون العربية، غدت للشؤون الفلسطينية، حلمت أواخر الستينيات بواحدة لدراسات الاستعمار الاستيطاني. ألفت من أجلها، برعاية من مركز الأبحاث الفلسطيني, كتاباً بالإنجليزية عن الاستعمار الاستيطاني طبع بتمويل من جامعة الخرطوم عام 1970 واعتمد كتاباً تدريسياً فيها. ذكرتني به مؤخراً مؤسسة الدراسات الفلسطينية، هي تدرس الآن إعادة نشره بالتعاون مع دار نشر بريطانية. هل أقول إن ذلك الكتاب أدخلني قصر الرئاسة السورية؟
تحدثت عن زريق صباح هذا اليوم مع سوري له شأن. قال هو فلسطيني. قلت نعم، فلسطيني من عائلة دمشقية، رئيس جامعة دمشق أواخر الأربعينيات أوائل الخمسينيات. أستاذ في بيروت حيث تلاميذه من مختلف الدول العربية. مفكر مرموق، حين أخذ العرب يبحثون عن أمين عام غير مصري لجامعة دولهم إبان نقلها إلى تونس اقترحت اسمه على الرئيس حافظ الأسد. أميناً عاماً لها. فكانت بعد إجابة عامة قاطعة. لا تقبل تونس بأقل مما كان لمصر. وتستمر الحاجة إلى علم “معنى النكبة”.
* رئيس الرابطة العربية للقانون الدولي والرئيس المؤسس للرابطة السورية للأمم المتحدة ومستشار رئاسي سابق وخبير سابق لدى مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة