الثورة – رشا سلوم:
مرت منذ أيام.. وتحديداً يوم ١٩ آب، ذكرى رحيل آخر عمالقة الشعر الكلاسيكي في الوطن العربي الشاعر محمد سليمان الأحمد (بدوي الجبل).
شاعر حقق من الشهرة السياسية والإبداعية ما لم يحققه غيره.
كان وزيراً ونائباً في البرلمان السوري.
ومن الجميل مع مرور ذكرى وفاته أن تصدر دراسات وكتب عنه، فقد صدر ضمن سلسلة الدراسات من إصدارات اتحاد الكتاب العرب لعام 2024 كتاب جديد للدكتور مبارك سعيد حمل عنوان “الجمالية في شعر بدوي الجبل”.
تناول الكتب عبر ثلاثة أبواب جماليات الصورة الفنية وطبيعتها في شعر بدوي الجبل والجمالية الصوتية والمؤثرات النفسية عنده والمثل الجمالية وتأثير الاغتراب في شعره.
كتاب يمثل خلاصة جهد كبير بذله المؤلف لإخراج هذا البحث في صياغته الحالية التي تليق بشاعر العربية الكبير، من خلال التنقيب عن ملامح الجمال في الأبيات والقصائد، وسبر أعماق الصورة الفنية وصولاً إلى معالم جميلة في السبك والصياغة بقدر ما لها من تأثير في السمع، ومناجاة للألباب والعقول، فتستقر في الزوايا الدافئة من النفس، وتسكن في الأماكن المشرقة من الخيال.
انتهى الكتاب بخاتمة، تضمنت عرضاً موجزاً لما جاء في صفحاته، سعياً للوصول إلى صورة أكثر إشراقاً في الدراسة حول هذا الشاعر الكبير، ثم ثبت بالمصادر والمراجع التي أغنت البحث ومدته بمزيد من المعلومات.
من روائعه..
شقراء
هَدْهِدْ همومَكَ عندي
على حَيائي وصدّي
حورُ النعيم تمنّتْ
نُعمى هواي ووجدي
هل عندهنّ رحيقي
وهل لديهنّ شهدي
يا ساكبَ الشعرِ خمراً
من شعر رَبِّك خدّي
ومن معانيه عِطري
ومن قوافيه وردي
تأنّقَ اللهُ دهراً
يعيدُ فيّ ويُبدي
حتّى جلانيَ شعراً
يا حسرةَ الشعرِ بعدي!
خيالُهُ السمحُ نَدّى
ثغري ونمنمَ عِقدي
وقلبه كان كأسي
وجفنهُ كان مَهدي
والأنجمُ الزُهْرُ حولي
دُمىً لِلَهوي وعدّي
فغارتِ الحورُ منّي
وكُلُّ زَهوٍ ومَجْدِ
وهبَّ في روضِ عَدنْ
عليَّ عاصفُ حِقدِ
فكان للّهِ حكمٌ
لشقوتي بل لسعدي
واختار بُعدِيَ عنه
وراح يبكي لبُعدي
دنياي أحلى و أغلى
من ألفِ جنّةِ خُلدِ
أنّا الربيع المندّى
قارورةُ العطر نهدي
يهيم حُسني بحُسني
ويجتلي و يُفَدِّي
وجُنَّ ثَغري بريقي
وَحَنَّ جيدي لزندي
وكلُّ وَشيِ حريرٍ
يودُّ لو لفَّ قدّي
وكلُّ عطرٍ تشهّى
أن أسفحَ العطرَ وحدي
شقراءُ تحلمُ شمسُ الـ
ضحى بخدّي وبردي
رَفَّتْ خُصَيْلاتُ شَعري
بأشقر النور جَعدِ
سكرانِ تيهٍ ودلٍّ….
مخمورِ وهجٍ ووَقْدِ
يا شاكياً زورَ وعدي
أحلى من الوصلِ وعدي
هِيامُنا يا حبيبي
طيوبُ خمرٍ ونَدِّ
أريدُ طيفاً لجفني
أريدُ حلماً لسُهدي
كلُّ المحبّين ملكي
وأنت وحدكَ نِديّ
وكبرياءُ جمالي
تريدُ منكَ التحدّي
شقراءُ يا لونَ حُسنٍ
مُحَبَّبٍ مُسْتَبِدِّ
ويا جمالاً غريباً
على ظِباءِ مَعَدِّ
لا وسمُ ليلايَ فيهِ
ولا ملامحُ هِندي
ولا اسمرارُ الغريراتِ
بالعقيقِ ونَجْدِ
ظمآنُ أنشدُ وِرداً
وعند عينيكِ وِردي
يا سكرةً بعد صحوي
وفتنةً بعد رُشدي
يا رغبةَ العين والقلب
بعد يأسٍ وزُهدِ
بيني وبينكِ حربٌ
وهولُ أخذٍ ورَدِّ
صراعُ روحينِ فيه
عنفُ العدوِّ الألدِّ
وغزوُ قلبٍ لقلبٍ
فتحٌ يبيدُ ويُردي
فَناءُ دنيا بدنيا
وطيُّ بندٍ ببندِ
الحبُّ لا حكمُ شورى
لكنَّهُ حُكمُ فَردِ
فهيّئي فتنةَ الحُسنِ
كُلَّها واستعدّي