ثورة أون لاين _ بقلم رئيس التحرير: علي قاسم: يرسم الموقفان الروسي والصيني خارطة جديدة للعلاقات الدولية، وفيما الإحداثيات تحاكي في مقارباتها التموضعات داخلها، يأتي الظل المتشكل مطابقاً للمعادلات التي أفرزتها روحية النظام العالمي .. ونكهة الشرق الحاضرة فيه.
وجاء البيان الختامي لقمة الرئيسين فلاديمير بوتين وهو جينتاو ليخط ارتدادات القضايا العالمية والإقليمية ومرتسماتها وكان حضور الحدث السوري فيها نقطة مفصلية اقتضت التوقف طويلاً عند المفازات التي قطعتها في تشكيلات المشهد العالمي.. ما قبله لا يصلح للقياس على ما بعده.
في المعايير السياسية لا يبدو اللقاء غائباً عن الذهنية التي حملت على عاتقها تبعات التشوهات الكبرى الناتجة عن خلل الأحادية القطبية.. لكنها في الحسابات تشعل سباقاً متجدداً تتجذّر فيه مفاهيم القوة، وتحتل الأوراق أمكنتها على طاولة الصراع الذي تخوضه إرادات القوى في مقاربة الحالة القائمة.
ومن منظور الفهم للتداعيات وهي ترسم نقطة ارتكاز في أحداث وتطورات بدت دراماتيكية في فصولها، كانت البوابات تفتح إيذاناً بما هو آت، لتكون البشرية أمام عهد جديد وعصر يقدم تلك المقاربات على أسس مغايرة لا تبدو فيها المصالح المتوحشة هي الحاكم بأمره، ولا الأطماع المتجذرة هي القضاء المستعجل والقدر الذي لا مفر منه.
وفي حين يبدو سابقاً لأوانه الحديث عن إرهاصات الأنسنة والعودة إلى دور الشعوب، وربما عصر الشعوب، فإن ما يحكم مفاهيم الشرق وقدرته على مقارعة سطوة الغرب وشهوته للسيطرة التي تضخّمت إلى حدود التورم، يبدو مغايراً وربما كان فيه استعادة للجوانب المشرقة التي أفلت مع نهاية الحرب الباردة ودخول عهود الصراع بالمعايير الغربية.
بين الغرب والشرق تبدو المعادلة من جديد قد أذنت لطرفيها بالتموضع، بينما الاصطفاف السياسي يعيش مخاضه الأصعب وسط ملامح صراع أزلي استحكم بمفردات الخارطة، لكنه لم يستطع تحديدها.
وسط هذا، وحدها المنطقة العربية التي تعيش كابوس عزلتها في صراع إرادات لم تقبل بعد بمسلماته.. يقف الحدث السوري على الحد الفاصل.. وربما كان المحور النوعي بثقله الجيوسياسي الذي يميط اللثام في نهاية المطاف عن ملامح تلك المعادلة ودورها وإشارات اتجاهها.
وعليه فإن العالم الذي يعيد ترتيب أوراقه على وقع المتغيرات الجديدة في المشهد الدولي، يستحضر في الأفق تموضعات تعكس إلى حد بعيد القناعة الدولية بتلك المتغيرات وتأثيراتها على المعادلات الناشئة، فيما نجد على الضفة الأخرى اللهاث العربي وراء الأوراق القديمة رغم اليقين بأنها استنفدت أغراضها.
العملاقان الروسي والصيني يقدمان مقاربة تختزل في الكثير من عناوينها المفاهيم المتشكلة في ضوء الحسابات التي ترتهن في أغلبها لمعايير التوازنات القادمة، لكنها في الوقت ذاته تسهب في شرح القراءة الواردة، بالمصادفة كانت أم وفق تخطيط مسبق.
في كل الأحوال يبدو العرب في غربال المشهد مدماكاً لا أكثر لا تكاد تلحظه المتغيرات وبالكاد يكون منظوراً، وهم يريدون تغطية الشمس به، فيما التطورات والأحداث تعيد تشكيل الاصطفافات.
كعادتهم كانوا في الماضي مجرد تابع، واليوم لا يكادون يلحظون وجودهم حتى في الهوامش، لأنهم وضعوا أوراقهم في سلال مثقوبة ومتهالكة، بينما مراكبهم التي أحرقوها يحجب دخانها عنهم رؤية خارطة المتغيرات، أو لحظ المعادلة الجديدة التي أرستها قمة العملاقين في الاتجاهين.
الحدث السوري في الواجهة.. وهنا أصل الحكاية، أما بقيتها فهي أبعد من القراءات الساذجة لأولئك القابعين في الزوايا المهملة من التاريخ، والذين يحاكون بدائيتهم الأولى وهم مهمومون بتأدية أدوارهم في سفك الدم السوري بإرهابهم الأسود الذي يكشف كل يوم عن مدى حقدهم عبر ارتكابهم تلك الجرائم المروعة .
a-k-67@maktoob.com