قامة أدبية عربية

الملحق الثقافي- سهيلة إسماعيل:
ثمة أسماء سيخلدها التاريخ في عالم الأدب والشعر، ليس بسبب غزارة الإنتاج وإنما بفضل نوعيته ومقاربته لقضايا الإنسان والقضايا المصيرية، والأهم من ذلك تعلق المنتج بجذور القديم واستعادته ليصبح ذاكرة حيَّة وراهنا جماليا. ومن هذه الأسماء الشاعر والناقد عبد الكريم الناعم. القامة الأدبية الرفيعة ليس على المستوى المحلي فقط بل على المستوى العربي. والجميل أن يكون عدد ملحق صحيفة الثورة الثقافي مخصصا للاحتفاء بالشاعر عبد الكريم الناعم. الذي شكل وما زال ظاهرة ثقافية لها حضورها وتميزها. وسنستعرض هنا رأيان بالشاعر؛ أولهما للأديبة غادة اليوسف التي قالت عنه :
السؤال عن عبد الكريم الناعم مربك لأنه اسمٌ من كرامة الحرف..يفضي بك إلى عالم من الغنى الفكري الثقافي الأدبي الفني..الجمالي..وحضور من الخصب والعطاء الذي لاينضب وقد امتد على عقود ..ومايزال في الريادة متصدراً المشهد الأدبي..ليس السوري فحسب، بل والعربي..فارس الكلمة الرسالة المهمومة بإنسان هذه البلاد..لم تزده آلامها وآلامه إلا ثباتاً وإصراراً على الإخلاص لدوره الذي آمن به كنخبوي من الطراز الرفيع..يمزج بين النضال في سبيل العدل والإنسان وبين الأدب فكان أن أثمر الحق والجمال..غاية الغايات..وأعطاه كل فكره وجلّ اهتمامه ..فأثرى ومايزال يغدق المكتبة العربية شعراً ونثراً ومقالة وسيرة ..مايجعلك تتلعثم حين تُسأل عن رأيك به أو بشعره إذ ترى نفسك أمام قلعة مضيئة شامخة راسخة من قلاع الجمال، تحتار من أيّ الأبواب تلجها؛ من باب الأصالة أم الحداثة أم؟؟….وترى أنه لايمكنك الحديث عن شعره دون الحديث عنه من جوانب متعددة..فهما متلازمان كالمرايا المتقابلة تعكس إحداهما الأخرى..فعالمه عالم شعري أصيل..وهو من أبرز شعراء الستينيات بوصفه شاعراً جمالياً من الطراز الرفيع..متجذراً بالتراث وواثقاً بهيبته ومولعاً بتوظيفه حداثوياً بفنية عالية واسعة الطيف..وهذا لا يتأتى الا لقلة من الشعراء المجددين.
قصيدة الناعم تنساب سلسة كينبوع يفيض رقة وعذوبة بلغة شعرية خضراء خاصة به وحده تنهض مكتنزة بالإيحاء..مستثمراً الطبيعة وجمالية الصورة الحسية الطافحة ببروق الروحانية ..التي تتخطفه إلى روحانية صوفية زخرت بها دواوينه الشعرية وخاصة الأخيرة منذ مهرجان الأبواب منذ سنوات ..ومايزال الشاعر الأصيل الحداثوي عاشق الجمال موثق الرحابات سواء كتب نثراً ..مقالة سيرة وتاريخاً ..حواراً للهم اليومي ..فهو في كل ذلك الشاعر الأصيل والإنسان الممتد في النسيج الكوني.
وقال عنه الشاعر أسد الخضر
أنْ تكتبَ عن الشاعر الكبير عبد الكريم الناعم يعني أن تكتبَ عنْ ذاتٍ شاعرة آمنت بالشعر طريقاً وطريقة لاكتشاف العالم وسبر أغواره والولوج إلى عتبات أسراره، يعني أن تطلّ على تجربة شعرية وإنسانية بلغتْ من عمرها ستينَ عاماً وليس المقصود المسار الزمني فقط لهذه التجربة بل الإطلالة على تجربة شعرية وإنسانية تفردت بالتنوع والتميز والأصالة والتجديد والغزارة والإضاءة على منجز إبداعي فرض نفسه رائداً من رواد الحداثة الشعرية العربية وعاصر تحولات الشعرية العربية من خلال الجيل الشعري الذي رافق تجربة الشاعر عبد الكريم الناعم ومن خلال الأجيال الشعرية التي تعاقبت بعد جيل الشاعر عبد الكريم الناعم منذ مابعد منتصف القرن وحتى الآن بما شهدت هذه المرحلة من تحولات شعرية وثقافية واجتماعية واقتصادية وسياسية امتلأت بالكثير من المتغيرات والتناقضات الشكلية والبنيوية.
أن تتمعن في تجربة الشاعر الكبير عبد الكريم الناعم يعني أن تغوص عميقاً فتكتشف شاعراً مجرباً مثقفاً مبدعاً قابضاً على جمرة الإبداع والتجديد حاملاً مخزوناً وإرثاً من الشعرية العربية.
تجربة شعرية استطاعت أن تؤسس وتحفر مكانتها بقوة وجدارة في المشهد الشعري العربي الحديث محملة بنزوع دائم إلى البحث والتجديد والتجريب في بنية وبنيان القصيدة متخذة مساراً تصاعدياً بالاتكاء على الموروث الشعري العربي والانشغال الدائم والدؤوب باكتشاف مناطق جديدة في رحاب القصيدة العربية والإضاءة عليها.
تحربة تبحث عن رحابات مبتكرة في الكلمة / لفظاً ومعنى/ وتجديد وتجريب يستند إلى جذور راسخة في أرض القصيدة، تتخذ من أقانيم الخير والحق والجمال مداراتها. وتتماهى مع العام والخاص
تعرفتُ على شعر عبد الكريم الناعم قبل معرفته إنساناً كبيراً من خلال مجموعته (أمير الخراب) ولفتني في تلك المجموعة استنباط كتابة جديدة في الشعر العمودي بعد أن تكلس عمود الشعر من كثرة النظم الباهت والتكرار والجمود لأطل على حداثة مبتكرة وطريقة جديدة، حداثة في العمق والمعنى
يقول في قصيدة / ترنيمة / من مجموعة أمير الخراب:
تتنافرُ الأضدادُ .. تنتَبهُ
ويصوغُها المعنى، فتَشتَبهُ
وتدورُ من فلَكٍ إلى فَلَكٍ
مأخوذةً، مرآتُها الشّبهُ
سكرى بحَيْرَتها، مغاويِةً
وفناءُ مايُغويكَ أعجبُهُ
– الأمر الآخر في تجربة الشاعر عبد الكريم الناعم هو المقدرة على تحويل وتجسيد التفاصيل والأحداث شعرياً إلى مشاهد بصرية حية وحاضرة في قلب وفكر المتلقي كما في نصه /ضيف من ذلك الزمان / من مجموعة ارحل هكذا، نص يعيدنا إلى تلك الأيام التي عشنا تفاصيلها وبساطتها وكأن الحدث يتمثل مشهداً بصرياً فكيف إذا فاح المشهد الحبري والبصري وامتزج بالعمق الصوفي حين نقرأ هذا النص
في المساء
قُرعَ البابُ،
غريباً وفقيراً كانَ،
في إطراقهِ العفوي فيضٌ من بهاء
هكذا
كنا
مساءً
في القرى النائيةِ الآنَ،
ضيوفٌ من دروبِ اللهِ يأتونَ،
ويمضونَ،
ولا نسألُ من أينَ،
منَ الزادِ لهم مايتوفر
إنْ يقلِّ الزادُ
فالبسمةُ بيدر
وُجِدَ الخبزُ
-ثمة أمر آخر أود الإشارة إليه ولو على عجالة، بالرغم من أنّ المنجز الإبداعي للشاعر عبد الكريم الناعم حافل ومتنوع شعراً ونقداً، فثمة حضور للشعر المحكي من خلال مجموعة (الحزن والناي) وهي من النوادر في الشعر المحكي البدوي بما تمثل من بدايات التفتح وبدايات الوعي على أمداء الفن والجمال والإطلالات المبكرة على رحابات الطبيعة.
وفي الختام لا تسطيع مقالة أن تحيط بكل جوانب التجربة الإبداعية لقامة كبيرة حاضرة في المشهد الشعري السوري والعربي كقامة الشاعر عبد الكريم الناعم الذي كان أباً وأخاً مشجعاً ومحفّزاً للكثير من التجارب الشعرية الشابة والتي أصبحت الآن أسماء لها حضورها في المشهد الشعري السوري الحالي.
                            

العدد 1203 –3 -9 -2024        

آخر الأخبار
منظمة "رحمة" تؤكد دعمها للتعليم المهني في درعا معرض دمشق الدولي .. عودة للصوت السوري في ساحة الاقتصاد العالمي صيانة وتركيب محولات كهربائية في جبلة معرض دمشق الدولي نافذة سوريا إلى العالم "المركزي" يضبط بوابة التواصل الإعلامي معرض دمشق الدولي .. رسائل ودلالات نيويورك تايمز: زيارة مشرعين أميركيين إلى سوريا لدفع إلغاء العقوبات ودعم المرحلة الانتقالية قطر تدين التصعيد الإسرائيلي في سوريا وتدعو لتحرك دولي عاجل أردوغان: تركيا ضامن لأمن الأكراد في سوريا وملاذ آمن لشعوب المنطقة الخارجية تدين التصعيد الإسرائيلي في القنيطرة وتؤكد حقها بالدفاع عن أرضها  الاعتداءات الإسرائيلية.. وحق سوريا في الدفاع عن حقوقها الوطنية المشروعة قوات الاحتلال تغتال الحقيقة.. هكذا يعيش ويعمل صحفيو غزة  بين الفائض و انعدام التسويق.. حمضيات طرطوس هموم وشجون.. وحاجة للدعم قرار الخزانة الأميركية.. خطوة تراكمية نحو تعافي سوريا دمشق تستعد للحدث الأهم.. المحافظ يتفقد آخر الاستعدادات في مدينة المعارض عودة اقتصاد الإبداع والهوية.. حرفيو حلب في معرض دمشق الدولي هذا العام الطفل الوحيد.. بين حب الأهل وقلقهم المستمر معرض دمشق الدولي.. جزء من الذاكرة الاجتماعية والاقتصادية لجنة التحقيق في أحداث السويداء تواصل عملها الميداني وتؤكد على الحياد والشفافية التحالف السوري الأميركي..  زيارة الوفد الأميركي إلى دمشق خطوة محورية لدعم تعافي سوريا