يكتب بحبره سماواته المفتوحة

الملحق الثقافي-ر . س:                            

«يُهاجر طير ..
إلى أين يمضي؟
السماوات أعلى ..
وفي الأفق أفق جديد
..وللريش درب الهواء
وحبر المكان..
تطير سطوراً على هيئة السرب في المضمرات فتُجلى المعاني».
الشاعر عبد الكريم الناعم يكتب بمفردات السماوات المفتوحة، ويترك على غصن قلوبنا كل هذه العصافير المغرّدة للحياة للحقلة وللحجر أيضاً، الناعم لم يكن شاعراً وحسب بل كان رائياً متصوّفاً يكتب حلمه، ألمه، بصفاء الدفق الشعري، فكتبه الشعر بمسؤوليّة بناء الذات، والإنسان، والمجتمع، وحمل على عاتقه مقاومة الظلم والاضطهاد والحزن حيث وُجد، فكان هذا التربوي والشاعر وأحد أعمدة الحداثة في الحركة الشعريّة.
مما كتب الناعم:
«يا صاحب العنقود لا تسقِ كؤوس الخمر إلا من (تولى) أو (تدلى)
إن ما بين (شراب) و (سراب) نُقَطٌ تغرقُ في واحدة منها المحيطاتُ فأمسك»
وقف النجم الشمالي على قطب احتراقي وتشظتْ في مواويلي الجهاتْ
كنت حتى في ضلالي
أفتح الباب لكل الصلوات
وهو مازال إذا أرقني الخوف
وبعض الظن يدنيني فأزداد ابتعاداً
واتقاداً
فأرى التاج على الشوك
وخطوي وردة في الطرقات»
كان درب الشعر عند الشاعر عبد الكريم الناعم طويلاً مخضرّاً لأكثر من ستين عاماً من الإبداع الأدبي، أصدر فيها نحو أربعين كتاباً في الشعر والنقد التنظيري والتطبيقي، وكتاباً واحداً باللهجة المحكيّة البدوية، وكتاب «مدارات- سيرة زمن، من الطفولة حتى الثامن من آذار1963» ومدارات – سيرة رجال، وكتباً أخرى في الأدب والثقافة والسياسة والفكر.
لم يكن الناعم إلا هذا الشاعر الحقيقي الذي يؤمن بموهبته، ويعترف أن تجربته الشعريّة تحيا وتنضج معه، وكل ما كتبه في البداية كان بداية حتى تمكن من امتلاك أدواته الشعريّة وعمق تجربته وتطوير نصه المكتوب، وهو ما خلق منه شاعراً متصالحاً مع ذاته ناقداً متمكناً كذلك، يعرف القصائد من روح شاعرها، يقرأ شخصية الشاعر ويتتبعه إلى حيث ما يأخذه الحبر إلى الروح العلا التي تجلّت على ورق.
القريحة الشعريّة ابنة زمانها ومكانها عند الناعم، وهي ما حفرته خلال سنواته الأولى في ريف حمص ومع البدو، لذا تكثر في قصائده وكما بيّن في أحد حواراته الإعلامية مفردات السماوات المفتوحة، والطيور المهاجرة، والأغنام، والرعاة، بل حتى أعشاب تلك الأرض، والزرازير، وأفراح وأتراح تلك الأزمنة، بما كانت عليه، وثمّة مفردات ريفيّة أخرى كثيرة، وكلّها تصلح أن تكون حجارة، أو مداميك في ذلك البناء، فعوالم الريف المفتوحة هي شعريّة بطبيعتها، بخلاف المدينة التي كان يراها الناعم مكان البيع والشراء، والدوائر الرسميّة، والثقافة، والمدنيّة، وكان يرى مفرداتها صالحة للشعر أقلّ من مفردات الأرياف بعامّة، فالمدينة كما يرى بعض النقاد أنها عالَم يصلح «للرواية».
كان الناعم يذيّل كل قصيدة يكتبها بتاريخ كتابتها، يكتب لكل مكان يزوره يتأثّر به وكأنه يريد الإنغراس فيه، لتترك أزقتها البسيطة في نفسه كل هذا الجمال، وهو القائل:»حين أعود إلى تاريخ القصيدة الذي أذيّل به قصائدي أتذكّر الحدَث الذي حرّك أعماقي للتعبير عنه، سواء أكان حدَثاً نفسيّاً، أم حدَثاً عامّاً».
لم يتأثر الشاعر عبد الكريم الناعم بالأمكنة وحسب بل بالأحداث السياسية أيضاً فقد كان ناشطاً فيها، عاش أفراح الوحدة بين دمشق والقاهرة، وألم الانفصال، وتذوّق مرارة حرب الأيام الستة عام 1967، وشرب من كأس عِزّة حرب تشرين- 1973، تلك الحرب التي كتبتْ بدم الشهداء وبسالتهم أن هزيمة هذا العدو أمر ممكن.
ومن أقواله «أنا ابن قضيّة هذه الأمة في الوحدة والتحرير والعدالة الاجتماعيّة، وثمّة ما تبقّى، وقد كان عن القلب، والعشق، والتّوق، واللّوَبان الصوفي، لا بمعنى الصوفيّة المهترئة، المُنسحبة من الحياة، بل بمعنى مّن يرى في مفهومها مسؤوليّة أعمق في بناء الذات، والإنسان، والمجتمع، ومقاومة الظلم حيث وُجد».
كانت قصائد الناعم انعكاساً مباشراً لحياته بدءاً من رحيل ابنه البكر الذي أصابه مرض الشلل، ثم الابنة التي أودت بحياتها حادث سيارة ثم الزوجة وصولاً إلى فقد الأم والأب، لذا كانت عناوين مجموعاته الشعرية واضحة المعالم وثيمة الحزن تطغى عليها منها : «أمير الخراب، من ذاكرة النهر، زهرة النار، حصاد الشمس، الكتابة على جذوع الشجر القاسي، الرحيل والصوت البدوي، عينا حبيبتي والاغتراب، تنويعات على وتر الجرح، عنود، دارة، احتراق عباد الشمس، أقواس، من مقام النوى، من سكر الطين».
وأختم بهذه الفسحة السماوية للشاعر عبد الكريم الناعم :
يهطل العطرُ إذا جئتَ، وتدنيني
فأزداد ابتعاداً
لست ماءً
لا ، ولا حتى سراباً
أنت أخفى من خيال يملأُ الروح – إذا هلَّ – اتقاداً
تأخذ الشعلة درب النفس المبثوثِ في أبعد بيت من حواريك فيلتفُّ هواء الروح
عُشْباً أخضر التوق على سارية النور فأعنو
أدخل الغابةَ كي أقرأ فيها
أفتح الخُضرةَ أو يأتي إليَّ العُشبُ..
سكراناً..
فأدعوه إلى مائدةِ الشربِ
فيدنو فأنا في الدوح غصن
كيف؟
من يقرأ فينا الآخر الآن ؟
ولا أستبعدُ الليلة أن يغرق في الأقداح دنُّ
ما الذي يجمع بين الماء والآل فيكتظُّ الإناء؟
يذهب الآل إلى الماء
فللذكرى كما رجع هديل
وعلى الأفق سماء».

العدد 1203 –3 -9 -2024        

آخر الأخبار
لأول مرة باخرة حاويات كبيرة تؤم مرفأ طرطوس  فروغ المحال التجارية والبحث عن العدالة.. متى ظهرت مشكلة الإيجار القديم أو الفروغ في سوريا؟ وزارة الإعلام تنفي أي لقاءات بين الشرع ومسؤولين إسرائيليين معرض الأشغال اليدوية يفرد فنونه التراثية في صالة الرواق بالسلميّة تأهيل شبكات التوتر المتوسط في ريف القنيطرة الشمالي مُهَدّدة بالإغلاق.. أكثر من 3000 ورشة ومئات معامل صناعة الأحذية في حلب 1000 سلة غذائية من مركز الملك سلمان للإغاثة لمتضرري الحرائق بمشاركة 143 شركة و14 دولة.. معرض عالم الجمال غداً على أرض مدينة المعارض مناهج دراسية جديدة للعام الدراسي القادم منظمة "بلا حدود" تبحث احتياجات صحة درعا "18 آذار" بدرعا تدعم فرق الدفاع المدني الذين يكافحون الحرائق تحصيل 950 مليون ليرة ديون متعثرة في زراعي كفرزيتا الأمم المتحدة: حقوق الإنسان يجب أن تكون أساس أي تحول في العصر الرقمي تصعيد إسرائيلي في الجنوب السوري.. الشبكة السورية توثق 22 عملية توغل بري خلال شهر الربوة تحت رحمة مستثمرين يقضمون سكة القطار ويسورون مجرى بردى برنامج توزيع المياه في جرمانا بين الحاجة والتنظيم محافظ إربد يزور المسجد العمري في درعا عودة الحياة إلى القرى السورية المهجورة.. المحلات تفتح أبوابها من جديد محافظ اللاذقية يشيد بالدور الأردني في مكافحة حرائق الغابات  الهلال الأزرق يطلق نداءً عاجلاً.. ثلاثة أرباع السوريين بحاجة للمساعدة والكارثة الإنسانية تتفاقم