الثورة _ لميس علي:
هل جرّبتَ يوماً الشعور بأن تكون مُلحقاً بشيء أو بشخصٍ ما..؟ الوضع يختلف عن كونك تابعاً، فالتبعية غير الإلحاق، وإن كانت ليست أفضل من التوصيف الأول عموماً..
لكن أن تأتي الكلمة مضافة إلى مفردة «عقد» ليصبح لدينا عبارة «عقد إلحاق» يعني ثمة توصيف قانوني لحالة أُنكر وجودها إنسانياً ومجتمعياً، عُرض مؤخراً عمل «عقد الحاق» على منصة (viu) إنتاج شركة بنتالينس، ليحقق قبولاً لافتاً، على الرغم من بعض ردود الأفعال السلبية، وبغض النظر عن الانتقادات التي طالته، يبقى للعمل ميّزته.. وربما ميزاته الفارقة التي استطاع تحصيلها لعدة أسباب.. أولها موضوعاته الأساسية التي تلعب في مجال الدراما النفسية القليلة في الدراما العربية والسورية على السواء، دون نسيان محاولة ورشة الكتابة (ورد حيدر، أحمد أبو شقير، دعاء حرون، محمد رجب، هدى بيرقدار، بيسان شقير) تطعيم حكايتهم بجرعة من التشويق، قدروا على إضفائها بكل حلقة، ما ضمن سير عنصر المفاجأة غالباً بسوية واحدة طوال المسلسل.
في حلقات العمل الأولى نحن أمام حكاية (ريما، دانا مارديني) الشخصية المحورية، الطفلة مكتومة النسب، وسنتعرف على ذلك بخطّين زمنيين، يحضر الأول في الدقائق الأولى للحلقة وفق تقنية «الفلاش باك».. بينما تنشغل كامل الحلقة بحياة (ريما) الصبية الفنانة التشكيلية والنحاتة، هكذا تضعنا لعبة الزمن «الثنائية» التي اختارها المخرج الشاب ورد حيدر، لنكون أمام لحظتين فارقتين في حياة ريما..
نحن بين الماضي والحاضر معها، تجذبنا اللحظتان لنستكمل وإياها مجريات لحظتها الحالية الأهم، وبالتوازي مع حكاية ريما، ثمة حكاية (جاد، مهيار خضور) الذي سيظهر بوصفه حبيباً لها، لكن تفريع حكايته سيسلط الضوء على مسألة «قوارب الموت» التي لايزال السوريون إلى الآن ضحايا لها، وبين الحكايتين الأبرز للعمل، تمتلئ جعبة السرد لدى شركاء النص بالكثير من تفاصيل اجتماعية يشتغلون عليها.. من حالات استغلال حاجة الناس لتحقيق حلم الأمان عبر السفر وتظهير جزئية المتاجرة بأرواح البشر، جزئية ليست جديدة على الدراما السورية لكن في عقد إلحاق تم توظيفها كنوع من الدعم أي (سنيدة) للقصة المحورية.. حضرتْ إلى جانبها ولم تتمكن من إنقاص بريق التوليفة السردية..
مع أنها مكررة، رأى البعض أن وتيرة السرد عانت من البرودة/البطء في الحلقات الأولى، وفي ذلك شيء من إغفال حالة التكثيف التي امتلأت بها مجريات العمل الذي امتد لاثنتي عشرة حلقة فقط، حاول خلالها السير بمحاذاة وصفة «التشويق» المطلوبة ليكون العمل مقبولاً بل «بييّعاً» لدى منصّات العرض.. وهو أمر بقي حاضراً في أذهان جميع من تشاركوا كتابة النص.. لم يفوتهم الاشتغال وفق وصفة (السوق)، مع حفاظهم على سوية تحترم عقلية المشاهد.. وغامروا مغامرتهم الأبرز في النص بدخولهم إلى حيز الدراما النفسية وهو ما سيظهر لنا كمتابعين في الحلقة الحادية عشرة. بعدما قدموا حكاية طوال عشر حلقات لم تكرّس أي شيء له علاقة بالجانب النفسي، إنما بقيت محافظة على كامل عناصرها المنطقية المقنعة في بناء حكاية ريما..
وهنا كانت بالضبط الذروة- المفاجأة التي تمكّن فريق العمل نصاً وإخراجاً من صيدها. ويبدو أنها أكثر نقاط القوة للعمل.. مع أنه مع استكمال الحلقة ( 11) وتفاصيلها سنتذكر فيلم (عقل جميل، Beautiful mind) بطولة النجم «راسيل كرو» مؤدّياً شخصية عالم الرياضيات «جون ناش « الذي عانى من الفُصام. هل صنع كتّاب (عقد إلحاق) كامل حكايتهم اعتماداً على «بذرة» التشابه «الفاقع» بين النصين..؟ إن كان الحال كذلك فلابأس من الاقتباس لطالما كان متناسباً، بمختلف تفاصيله وجزئيات قصته، مع البيئة المنقول إليها لدرجة تم فيها إنشاء حكاية جديدة تتواءم مع حيوات أناس «الآن وهنا»، ورسمت خصوصيتهم بكل احترافية..
وبالتالي كان الاقتباس محفّزاً، الحيلة الأدهى من صناع العمل (التويست، Twist) والتي ميّزت سير العمل ليكون له بصمته بعيداً عن لعبة الاقتباس، تمثلت بأنه بعدما أغرقنا طوال الحلقة (11) بالحالة النفسية المزمنة لـ(ريما) وأنها تعاني من فُصام وذهان حادين، بدّل مشهد النهاية في الحلقة (12) وقلب استغراقنا بوجعها بعد أن حرّض عنصر الشك حين أُذيع أن ثمة من سرق تمثال عشتار من المتحف الوطني عبر نشرة أخبار إذاعية، ليثير لدى (ريما وجاد) موجة تساؤلات وزوبعة من الشك، فعلى ما يبدو ليس كل ما توهمتْ به كان هذيانات وتوهمات..
وهنا.. أجاد ذوو العمل نقش بصمتهم الخاصة، عبر تكريس نهاية مفتوحة ترسم علامة استفهام حول كل ما شهدناه.. وعلى رأسهم المخرج ورد حيدر، في براعته بإدارة توليفته من طاقم ممثلين ظهر بعضهم كما لم يبدُ قبل (عقد إلحاق)، من هؤلاء الممثل مهيار خضور الذي قدّم شخصيةً ميّزته على صعيد الأداء المضبوط بإتقان عالٍ في أول مرة يظهر فيها حقيقياً إلى هذه الدرجة..
مع بقية الذين تميّزوا وفي مقدمتهم دانا مارديني التي تبقى قيمة مضافة لكل عمل تشارك فيه بموهبة لافتة تستطيع عبرها رفع أسهم نجاح ونسب
