الثورة – رفاه الدروبي:
الواقعية مصطلح يشير إلى تصوير الواقع والتعبير عنه، والمذهب الواقعي الأدبي يقوم فيه الأديب بتصوير مشكلات الواقع المختلفة في قالب أدبي وفني، يتناول فيه واقعه وما حوله من أشخاص وأشياء بصورة مختلفة ركَّز عليها “النادي الأدبي الثقافي” في أمسية عنوانها:
“الواقعية بين الأدب والفن” ترأسها الدكتور راتب سكر في ثقافي أبي رمانة.
– التراث ثروة..
الدكتورة نادية خوست تناولت الواقعية لدى الدكتور عبد السلام العجيلي، حيث بدت في قصته “السيف والتابوت”، وتضمَّنت الانتقال من المقبرة إلى الحرب في فلسطين، لكن بالتوجه إلى الواقع الروسي تستوقفنا رؤية الكاتب الروسي ليو تولستوي في روايته “الحرب والسلام” حول علاقة الفرد بالواقع، وحرية الكاتب بفحص الحقائق في تلك الملحمة، وقصتها تقديم جيل النبلاء وبُعد الليبرالية عنهم، ووصف حالة المقاتلين، والجرحى، كما جسَّد شخصيات متنوعة الأهواء، والطموح والعلاقات الإنسانية، وتابع قلق الروح والافتتان بتلك الألوان منجزاً لوحة خالدة عن زمان ومكان وأشخاص وأحداث بعد نصف قرن من نهاية الحرب، إذ غيَّر الرؤية إليها مؤهلاً نفسه لذلك بخبرة محمَّلة بمعلومات تاريخية ومعرفية وجغرافية، ووثائق رسمية ومذكرات، فتولوستوي رسم القيصر، وكشف النهب حيث يتشارك الجانبان المتقاتلان فيه، وعندما تلامس علاقة الفن بالواقع نجد مستوى الثقافة العامة، سهلت للمتلقي مهمة الأدب المعرفي، ونشرت أعماله مع الرواد الروس في الاتحاد السوفييتي، ودرس النقاد اجتهادات الكاتب وآرائه وسخرها للأداء المسرحي، والكتب المدرسية، والجامعية في التثقيف العام، لأنَّ الوعي الروسي قدَّر أنَّ التراث الأدبي ثروة وطنية
تصاغ في مراحل تاريخية.
– الأدب الفرنسي..
وخصَّ الدكتور وائل بركات الواقعية الفرنسية بالذكر رواية “مدام بوفاري” للكاتب غوستاف فلوبير قائلاً: إنَّ ظهور الواقعية جاءت استجابةً للتغييرات الطارئة على المجتمعات الأوروبية فتغيُّرُها يصاحبه بالضرورة تغيُّر الأدب، وإنّ الاكتفاء بالحديث عن الفرد والنفس ومشاعر الذات وآلامها أمام معاناة الناس عامة والطبقة العاملة بصورة خاصة أدَّت إلى خبوِّ الرومانسية الفردية، ونهضت مكانها واقعية تهتم بالواقع والأشخاص الواقعيين، والمجتمع وقضاياها الناتجه عن صراع طبقي محتدم بين البرجوازية وطبقة البيروليتاريا، هدفت إلى تمثيل الواقع بأقصى درجة ممكنة من الأمانة بعيداً عن إطفاء المثالية أو الطابع الرومانسي عليها، ولايعني ربط ولادة الواقعية بتلك المرحلة، فالكتابة الواقعية سابقة بل وممتدة إلى بدايات رحلة الإنسان مع الأدب والفنون.. والتنظير لها ظهر في القرن الثامن عشر على يد مدام بوفاري، وهيبوليت تين في فرنسا، وغيرهم، ثم تناول الدكتور بركات معالم الواقعية في رواية “مدام بوفاري” للكاتب الفرنسي الشهير غوستاف فلوبير، وإذا كان بلزاك قد نال شهرة واسعة بإنتاجه الروائي، وسبق الكثيرين في رواياته الواقعية، ووصف بأنَّه أبٌ لها فإنَّ أعمال مواطنيه فلوبير وستندال، موباسال، زولا، لاتقل أهمية في ترسيخ معالم الرواية الواقعية، بل كانت ثمرة ناضجة في القرن التاسع عشر واستمر حضورها إلى يومنا الراهن.
– في الأوروبية..
كما اتجه سعد القاسم في حديثه عن بدايات الفن حين كان الإنسان في الكهوف يرسم الشكل الواقعي بمشاهداته، وحياته خارج الكهف بشكل بسيط وحركي، منذ ٤٠ ألف عام ق.م، وتكوَّنت حضارات وأخذت اتجاهين متناقضين: حيث اتجه الأول للشكل الرمزي، ونجدها في الفن السومري بالمبالغة بحجم الرأس، بينما تبحث الكلاسيكية عن النسب والوظائف الواقعية بين الشرق والغرب، ثم استمرا على مهمتين متباينتين: بينما ظل الفن الشرقي رمزياً من مصر إلى بلاد الرافدين وفارس المتمثِّلة بالهند إضافةً إلى اليابان والصين، واستلهم الفن الغربي أعماله من المدرسة الإغريقية، لكنَّ التحول الكبير بدأ بعد الرومانسية مع أشهر الرومانسيين الإسبان كالفنان “غويا” إذ رسم لوحة واقعية عنوانها “٣ أيار” كانت في الضوء تحمل حركة دراماتيكية لثائر يتلقى الرصاص، أمَّا جان لويس دافيد فكان رسام القصر والثورة الفرنسية إذ رسم امرأه بوفارية طردتها الثورة من باريس بينما لم يرسم لوحة عن الثورة إلا لأحد القادة مقتولاً على يد فلاحة، بينما ركَّز الرومانسيون في لوحاتهم على الثورة الفرنسية.
– التجربة السورية..
ثم استكمل الدكتور محمد غنوم الحديث عن الفن التشكيلي في روسيا، عندما أنجز الفنانون هناك أعمالاً واقعية، باعتبارها تتطلع للآفاق المستقبلية للفترة المرسومة فيها، وتستشرف المستقبل، بينما الفن التشكيلي في سورية لازال غير جماهيري ومنصبَّاً نحو المدرسة الواقعية، وهناك تجربتان هامتان في المشهد التشكيلي السوري: الاتجاه الأول يتمثَّل في لوحات ناظم الجعفري، وتمسُّكه الشرس بالمدرسة ذاتها، وهناك صراع حقيقي يأخذ الكثير من التجارب، وحدثت معارك شرسة لأنَّ الجعفري أطلق على من لا يرسم الواقعية بعدم تمكُّنه من الرسم، وشكَّك في تجربة بيكاسو نتيحة توجهه لمدارس فنية عديدة، وخاصة التجريدية، ولم تكن تعجبه كونها تنحرف عن الأسلوب الواقعي، وكان يتنقَّل بين أحياء دمشق القديمة ليرسمها إذ بلغ عدد لوحاته ٥٠٠٠ لوحة توثقية، ويعتبر أنَّ الواقعية أقرب إلى الجمهور من الحاملة للطابع التجريدي، إذ انتقى موضوعات تهمُّ الناس، وليست صعبة على القراءة الفنية كالتجريدية، وكان أحد روَّادها فاتح المدرس، ماخلق صراعاً ومعارك بينهما لم تنتهِ، لكن في الوقت نفسه يُدرَّس الأسلوب الواقعي للطلبة منذ بداية دراستهم في كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق.