موازنة 2025 أمام تحديات ظروف الحرب في المنطقة.. الخبير شهدا لـ”الثورة”: مبشرة لجهة الدعم الاجتماعي والزراعي.. والرهان على السياسات النقدية
الثورة – دمشق – رولا عيسى:
لاقى مشروع الموازنة العامة لعام 2025 القادم، قبولاً جيداً في الأوساط الاقتصادية، ووصفت بأنها الأكبر لما تضمنته من أرقام، خاصة لجهة كتلة الدعم الاجتماعي والإنفاق الاستثماري.
لكن ظروف الحرب الحالية، وما يطرأ من مستجدات يومية ربما تعرقل هذا المسار، سواء على صعيد ملف عودة اللاجئين السوريين من لبنان، أو لجهة الوافدين اللبنانيين بشكل يومي عبر المعابر الحدودية، وما تشهده المنطقة من حرب تتوسع رقعتها يوماً بعد يوم، وتزداد خسائرها البشرية والمادية على الصعيد المحلي والخارجي؟.
الخبير المالي والمصرفي عامر شهدا، وفي حديثه لصحيفة الثورة، رأى أنه بعد الإطلاع على مشروع الموازنة العامة وأرقامها، ثمة ناحية جداً لافتة، إذ إن الإيرادات المحلية ستحول نحو 80% من الإنفاق، عبر تعزير العائد من إدارة أملاك الدولة، وهذا مهم جداً وله أهداف، أهمها تحقيق “التوازن النقدي”.
التوازن النقدي
أضف إلى ذلك- والكلام لشهدا- أشار وزير المالية إلى أهمية إزالة الاختلالات الاقتصادية، والتوازن النقدي، وهذا يعني الوصول إلى الاستقرار الاقتصادي الحقيقي، معتبراً أنه بهذا التفصيل والجدلية- وكما وردت- نرى توجها لإحداث توازن بين الاقتصاد العيني والنقدي، وهو توازن مهم جداً ينقلنا للرهان على السياسة النقدية، لكون أن لها ارتباطاً وثيقاً بجميع السياسات الاقتصادية للدولة، وبالتالي تعتبر الإصلاحات النقدية، المحور النموذجي الحقيقي في العلاج، ناهيك عن دور أساسي للنقود نحو تحقيق التوازنات النقدية والاقتصادية.
انتقال اقتصادي
وبين الخبير المالي والمصرفي أن مشروع الموازنة لعام 2025، ترجمة لما جاء في الطروحات الاقتصادية ضمن الكلمة التوجيهية للسيد الرئيس بشار الأسد، مشيراً إلى “أننا في مرحلة انتقالية بالنسبة للاقتصاد”، وبالتالي أكد على أن المنظومة الإدارية والاقتصادية من المستحيل أن تستمر بشكلها الحالي، وهذا يعني القيام بحركة انتقالية للاقتصاد من مكان إلى آخر.
الملكية والإدارة
وعقب شهدا.. أنه عندما نقول مرحلة انتقالية اقتصادية، هذا يعني تحول اقتصادي، وأما التحول الاقتصادي ينحصر بمفهومين، الأول: الملكية والإدارة بيد الدولة، والثاني: تفتيت الملكية وتغيير الإدارة وإعادة التوجيه، وهنا لا نعني اضمحلال أو تنازل عن الملكية، بل نعني إمكانية أن يكون هناك تشاركية بين الحكومة والقطاع الخاص، وعليه يمكن تغيير الإدارة عبر انتقالها إلى القطاع الخاص، ومثال ذلك مطار دمشق الدولي، كتجربة وبالتالي انتقلت إدارة التشغيل من العام إلى الخاص، ومن الممكن أن تستمر وتعمم ضمن المؤسسات وقطاع الأعمال في سورية.
سوق الاقتصاد الاجتماعي
واعتبر أن هذا الشكل من الإدارة يندرج تحت سياسة اقتصادية تتجه نحو سوق الاقتصاد الاجتماعي، وبالتالي وبكل جرأة إن موضوع التحول إلى اقتصاد السوق الاجتماعي، يمكن أن نلمسه بناءً على طروحات رئيس مجلس الوزراء، عندما أكد على: “ضرورة الابتعاد عن المحرمات في طرح الرؤى والأفكار الحكومية وضرورة الجرأة والموضوعية في التعاطي مع الطروحات”، وهذا يعني أن ننتقل إلى اقتصاد السوق الاجتماعي، وهو يعني ترطيبا لموضوع الاقتصاد الحر، وهنا يجب أن نتكلم بواقعية وجرأة أننا ذاهبون إلى الاقتصاد الحر، فلا يمكن إنقاذ الاقتصاد ضمن المنظور والمنظومة الحالية في التعاطي مع الشأن الاقتصادي، أو ضمن المنظومة الحالية بإدارة الاقتصاد، فالموضوع يدخل في مرحلة التصحيح الهيكلي للاقتصاد، وبالتالي تحرير الاقتصاد وتثبيت الاقتصاد الكلي الذي يهدف إلى استقرار اقتصادي على المستوى الكلي، وذلك من خلال احتواء الاختلالات الاقتصادية الداخلية والخارجية، وهذا المنطق تم أخذه بعين الاعتبار بموضوع الموازنة العامة للدولة، ومن الطبيعي اليوم أن تأخذ الحكومة بمكونات السياسة الاقتصادية القائمة على السياسة الاتفاقية والضريبية، وأيضاً الموازنة العامة أخذت بهذه المكونات من خلال الأرقام التي طرحتها.
قراءة ما بين السطور
وينتقل الخبير الاقتصادي إلى قراءة في الأرقام الواردة بالموازنة ومابين سطورها، ليوضح أنه زاد سعر الصرف بنسبة 17% ضمن موازنة عام 2025 مقارنة مع العام السابق أي ارتفع من 11,500ليرة الى13,500 ليرة سورية مقابل الدولار، كما أن القيمة البالغة 52,600 مليار ليرة للموازنة العامة تعادل 3 مليارات و900 مليون دولار، بحسب السعر الجديدة، منها 37000 مليار للإنفاق الجاري، 15600 مليار ليرة للإنفاق الاستثماري أي بزيادة 5%.
الحد من التضخم
وحول زيادة الإنفاق الاستثماري اعتبر أنه مؤشر على سعي الحكومة إلى تنفيذ سياسة تهدف إلى أمرين، أولاً: الحد من التضخم، وثانياً: خلق فرص عمل، أي الحد من البطالة، وبالتالي رفع وتيرة الإنتاج، فرقم 15600 مليار ليرة للإنفاق الاستثماري يعتبر متواضعاً نظراً لحجم الاستثمارات الموجودة في سورية، لكن في ذات الوقت يظهر أن العمل ضمن المتاح من الموارد، وعليه كلما ارتفعت الموارد يرتفع الإنفاق الاستثماري، وبالتالي ضرورة العمل لرفع نسبة النمو ونسبة الناتج الإجمالي المحلي.
إعادة الروح للقطاع العام
شهدا وصف الموازنة العامة لعام 2025 بأنها مبشرة لجهة موضوع الإنفاق الاستثماري، وطالما هنالك توجه نحو دعم القطاع الاستثماري العام، هذا يعني إعادة الروح لمنتجات القطاع العام ومعامله.
اللافت للنظر بالموازنة- بحسب الخبير المالي والمصرفي- أن الموازنة لم تتضمن أي مؤشرات تدل على فرض ضرائب جديدة، يعني نوع من الاستقرار بالنسبة للصناعة والتجارة.
الدعم الاجتماعي في ظل الحرب
ورأى أنه من الطبيعي أننا ذاهبون نحو الاهتمام بالشق الاجتماعي أي زيادة الدعم الاجتماعي.. منها زيادة بدعم المنتج الزراعي، وبلغت 100 مليار ليرة، بزيادة 25مليار ليرة عن عام 2024، وكذلك بالنسبة لدعم المشتقات النفطية أصبحت 4مليار ليرة، بزيادة 2مليار ليرة من عام 2024، وهو مؤشر إيجابي فعندما ترتفع نسبة الدعم للمشتقات النفطية يعني أن الحكومة عندها رؤية مستقبلية لأسعار النفط العالمية، وهذا معروف أنه في أجواء الحروب ترتفع أسعار النفط بشكل كبير، وبالتالي الحكومة أخذت بعين الاعتبار ارتفاع أسعار النفط العالمي بشكل كبير، كما أنه مؤشر أيضاً أن الحكومة تحتوي الاختلالات الخارجية الاقتصادية، فهنالك تذبذب بأسعار النفط العالمي، وهو يعتبر أحد الاختلالات الخارجية، وقد أخذته الحكومة بعين الاعتبار.
ويتطرق شهدا إلى أهمية ما جاء في الموازنة من دعم لصندوق الجفاف والبالغ 25 مليار ليرة بزيادة 10مليارات، وكذلك مشروع التحول للري الحديث البالغ 150مليار ليرة في موازنة 2025، بزيادة بلغت 100مليار ليرة، بعد أن كانت 50ملياراً في موازنة 2024، وبالتالي دعم المنتج الزراعي بـ100مليار ليرة.
ويتابع: إذا ما أخذنا مشروع التحول للري الحديث كمؤشر، فإنه يعني العودة لبناء المنظومة الزراعية في سورية، متمنياً أن تعود المنظومة لسابق عهدها باعتبار أن الإنتاج الزراعي يساهم بنسبة كبيرة بالناتج الإجمالي المحلي، منوهاً بأن مجموع الدعم الاجتماعي بلغ في الموازنة 8325 مليار ليرة، بزيادة 137مليار ليرة عن العام السابق.
ويلفت شهدا إلى أن كل ما قيل أعلاه لاشك مرتبط بالسياسة النقدية، وأي جهود ستبذلها الحكومة باتجاه ترجمة ما ورد بالموازنة وترجمة الوعود التي أطلقت، إذا لم تتوفر سياسة نقدية متوازنة ومتناغمة مع السياسة المالية والاقتصادية، لن يتحقق شيء لعدة اعتبارات.
احتواء الاختلالات الداخلية
وهنا يذكر شهدا: أنه بكل موضوعية ومنطقية ذكر وزير المالية أنه بصدد معالجة واحتواء الاختلالات الاقتصادية الداخلية، وتعني التشغيل واستقرار الأسعار وهي بعض من السياسة النقدية، وطبعاً تصحيح التشغيل واستقرار الأسعار باعتبارها أحد أشكال الاختلالات هو من أهداف السياسة النقدية باعتبار أن السياسة النقدية من أهم السياسات الاقتصادية.
نجاح مشروط
ويضيف: لابد من التوضيح أن كل ما يقوم بطرحه رئيس مجلس الوزراء، ووزير المالية، ورئيس اللجنة الاقتصادية، نجاحه يرتبط بالسياسة النقدية، لأنها من أهم السياسات المساعدة لتصحيح الاختلالات النقدية، وتعتبر أحد عوامل الاختلالات الاقتصادية، وبالتأكيد تصحيح الاختلالات في الاقتصاد، يبدأ بسياسة نقدية تحقق أهداف التشغيل الأقصى واستقرار الأسعار، وحماية العملة الوطنية من التدهور، ويبقى الرهان على أن السياسة النقدية هي الأسرع بالتنفيذ، وتحقيق النتائج من السياسة المالية، رغم الارتباط الوثيق بين السياستين من أجل تحقيق أهداف الاقتصاد الكلي.
تساؤلات معلقة
وفي ختام حديثه قال شهدا: ثمة سؤال مهم.. هل ستتمكن السياسة النقدية من ضبط الكتلة النقدية المتداولة، وتزويد الاقتصاد الوطني بكمية من النقود الضرورية لمواكبة النمو الاقتصادي، دون الإضرار بالتوازنات الاقتصادية الداخلية، وهي استقرار الأسعار والموازنة العامة، ومن دون الإضرار بالتوازنات الخارجية.. وهنا نعني ميزان المدفوعات، فكله مرتبط بالسياسة النقدية، ونعلم أهمية السياسة النقدية، واستقرار الأسعار، وتوفير فرص عمل، ودعم النمو، وتوازن المدفوعات، واستقرار المنظومة المالية، كذلك استقرار قيمة الصرف، والسؤال المعلق.. هل ستستمر السياسات النقدية، بما هي عليه، أم أنها ستتغير باتجاه مساعدة الحكومة، لتنفيذ ما جاء في الموازنة العامة للدولة في عام 2025.