الثورة – تحقيق إخلاص علي
مع استمرار غياب أي دعم مباشر من الجهات الحكومية لمزارع الحمضيات وارتفاع تكاليف مستلزمات الإنتاج التي تثقل كاهل الفلاحين، انتشرت مؤخراً الزراعات الإستوائية بكثرة مثبتة جدواها في مناطق الساحل السوري(اللاذقية-طرطوس) بسبب قلة تكاليفها ومردودها المرتفع.
قلع واستبدال
المزارعون وبعد انقطاع أملهم من تقديم أي دعم لهم يسندهم في تحمّل أعباء تكاليف الزراعة بادروا لقلع أشجار البرتقال والليمون، واستبدلوها بأشجار الدراغون والأفوكادو والقشطة رغبة منهم بتحسين دخلهم ولتغطية نفقات تكلّفوا بها.
المردود الإنتاجي والمادي
صحيفة “الثورة” قابلت عدداً من المزارعين في محافظة اللاذقية للحديث عن مشكلتهم، حيث أنهم أصبحوا يركزون في الفترة الأخيرة على الزراعات ذات المردود الإنتاجي العالي لتحقيق مكاسب مادية تتناسب مع تكاليف مستلزمات الزراعة مضيفين: أن إصرار التجار على شراء الإنتاج من الحمضيات بأقل الأثمان دفعهم للتخلي عن عدد من الأشجار المزروعة لديهم واستبدالها بشتلات من الأفوكادو والدراكون، وقد عادت عليهم بأرباح جيدة.
بينما أكد البعض الآخر أن الأمر لايقتصر على الحيازات الصغيرة، وإنما قام الكثير من أصحاب البيوت البلاستيكية بالإستعاضة عن محاصيل البندورة والخيار والكوسا بالفواكه الإستوائية.
انتعاش للفاكهة الإستوائية
وللوقوف على واقع الزراعات الإستوائية في سورية ومعرفة موقف وزارة الزراعة منها وجغرافية مساحتها، تواصلت “الثورة” مع مدير إدارة بحوث البستنة في الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية الدكتور أسامة العبدالله، ليقول :
إن زراعة الفواكه الإستوائية بدأت تتوسع في الساحل السوري وكثر الحديث عن مزاياها وعائدها الاقتصادي خلال السنوات الخمس الماضية، حيث لوحظ ارتفاع عام في درجات الحرارة خلال أشهر الشتاء وانحسار لموجات الصقيع الأمر الذي ساهم في انتعاش هذه الأنواع المدخلة، وكثرت المطالبة بتشجيع زراعة هذه الأنواع، غير أن مبررات عدم التسرع بالتوسع و الانتشار لازالت موجودة، لذلك لم تقم البحوث باعتماد هذه الأنواع واعتماد أماكن انتشارها حتى تاريخه.
وحول المساحات المشغولة منها.. صرح بأن المساحة المزروعة تُقدّر لعام 2020 بالزراعات الإستوائية حسب احصائيات مديرية زراعة طرطوس واللاذقية بحوالي 76.4 دونما للمانجو و192.4 دونما للأفوكادو و218 دونما للكيوي و 66 دونما للقشطة وحوالي 1000 شجرة دراغون و 300 شجرة بابايا، وعدد محدود جداً من أشجار السابوتا والليتشي والشيكو والكمبور.
لجنة لدراسة الواقع
وأضاف : لدراسة واقع الأشجار المدارية في المنطقة الساحلية ومدى تأقلمها مع البيئة المحيطة تم تشكيل لجنة القرار رقم 4420 بهدف متابعة واستكمال الأبحاث المتعلقة بذلك تمهيداً لاعتماد ونشر الناجح منها على المستوى الاستراتيجي ولتلبية حاجة السوق المحلي وغيرها، وعليه تم القيام بالعديد من الجولات الميدانية على مناطق زراعة الأنواع المدارية و تركزت حول الافوكادو والكيوي والمانجو والبابايا والدراغون، إضافة إلى بعض الغراس حديثة العمر ومحدودة العدد من السابوتا و اللتشي والقشطة حيث أظهرت الجولات تواجداً لزراعة المانجو ضمن البيوت البلاستيكية في بانياس، وهي زراعة مكلفة جداً.
محاذير ومحددات
وحول محاذير ومحددات اعتماد هذه الأنواع والتوسع في زراعتها قال العبدالله:
أغلب هذه الأنواع النباتية المدخلة غريبة عن البيئة السورية ذات منشأ مداري واستوائي، ومتطلباتها البيئية مختلفة، وقد تتوفر بحدودها الدنيا لكن الثمار لن تصل إلى الحدود المثلى من النضج لعدم توفر الظروف البيئية المثلى لذلك وخاصة درجات الحرارة، مع ملاحظة حساسيتها لموجات الصقيع المفاجئ المحتملة في الساحل السوري، والتي قد تؤدي إلى استبعاد هذه الأنواع تحت ضغط انخفاض الحرارة شتاءً.
ارتفاع أسعارها
ولفت إلى أن ارتفاع أسعار هذه المنتجات الزراعية يعود بالدرجة الأولى إلى انخفاض المعروض منها، غير أن التوسع في الزراعة سيقود حكماً إلى ارتفاع الإنتاج وبالتالي زيادة المعروض وهذا سيقابله بالتأكيد انخفاضاً في أسعار هذه المنتجات.
غير منافسة تصديرياً
ولفت أنه عند التفكير في التصدير كمبرر للتوسع بالزراعة، أعتقد أننا لن نكون منافسين حقيقيين للبلدان المنتجة لهذه الأنواع النباتية حيث تتوفر بيئتها الأساسية أو بيئة أكثر ملائمة (مصر–اليمن.)، كما أنه من الصعب تحقيق ذلك وخاصة فيما يتعلق بالطعم والنكهة والتلون، فلو دخلنا قليلاً في العمق نجد أن مستوى التعبير الجيني للجينات المسؤولة عن الصفات الكمية يختلف بشكل معنوي باختلاف الظروف البيئية المحيطة بالمنتج مثلا مستوى السكريات (الحلاوة)، ونسبة الألياف والعناصر الأخرى المختلفة المكونة للثمرة، ستكون بحدودها المثلى في المنتج ضمن البيئة الأكثر ملائمة له حيث تتحقق الظروف المثلى لنمو وتطور
النبات.
الآفات المرضية
وعن المشاكل المرضية والآفات المرافقة لتلك الزراعات تحدث العبدالله :
لكل محصول آفاته التي قد تشكل عاملاً محدداً للزراعة، حتى الآن لم نلحظ مثل هذه الإشكالية في سورية لهذه الأنواع المدخلة (باستثناء البياض الدقيقي على المانجو)، وقد يكون سبب عدم مواجهة ذلك هو عدم وجود مساحات زراعية واسعة ممتدة بل عبارة عن زراعات عشوائية وهامشية صغيرة من أشجار متفرقة ومزارع صغيرة متناثرة هنا وهناك.
غير أن التوسع في هذه الزراعات- والكلام لمدير إدارة بحوث البستنة- سيقود إلى توفر بيئة خصبة ومناسبة للأمراض والآفات وبالتالي يصبح احتمال الوصول إلى الجائحات المرضية أمراً واقعاً، وخاصة في ظل توفر الرطوبة الجوية المناسبة لانتشار الأمراض على مدار العام في الساحل السوري.
ناهيك عن عدم القدرة على التوسع الأفقي لضيق المساحات الزراعية المتاحة والمناسبة للتوسع بهذه الأنواع المدارية في الساحل السوري، و بالتالي ليس لها أي قدرة لمنافسة محاصيل زراعية أخرى واستبعادها من الزراعة والتموضع مكانها.
خطورة التوسع
أخيراً لابد من الإشارة إلى خطر ستواجهه الزراعات التقليدية إذا تم التوسع بزراعة الفواكه الإستوائية على حساب المحاصيل الأساسية، في ظل عدم تقديم أي دعم كافٍ للفلاح الأمر الذي سيجعل المجتمعات المحلية أكثر اعتماداً على الواردات الغذائية، مما يهدد قدرتهم على الحصول على الغذاء بكميات وأسعار مقبولة.