“الحس الإنساني جوهرة الإبداع”

قد يظن بعضنا أن الإبداع بات حكراً على الآلات، والبرامج الذكية في عالمٍ يغرق في التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، ولكن.. هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يضاهي الحس الإنساني في إبداعه؟ هل يمكن للآلات أن تلامس مشاعرنا، وتعبّر عن أحاسيسنا؟ وهل الذكاء الاصطناعي أداة لا بديل عنها؟.

لا شك أن هذا الذكاء يقدم لنا أدوات جديدة تساعدنا على تحسين مهاراتنا الإبداعية، إذ يمكن للآلات أن تساعدنا على تحليل البيانات، وخلق الأفكار، وإنتاج أعمال فنية مبهرة.. لكن تبقى هذه الأدوات مهما تفوقت مجرد أدوات لا بديل لها عن الحس الإنساني.. فالإبداع ليس مجرد مهارة تقنية، أو معرفة علمية، بل هو نتاج الحس المرهف الذي يمكّننا من رؤية العالم بعيونٍ جديدةٍ، وفهم مشاعر الآخرين، والتعبير عن أنفسنا بطرقٍ مبتكرةٍ، فهو روح الفن الذي يحرك مشاعرنا، ويحفز تفكيرنا، ويلهمنا.

وإذا كان الذكاء الاصطناعي يفتقر إلى القدرة على فهم المشاعر الإنسانية، والتعبير عن الأحاسيس، والتواصل مع الآخرين على المستوى العاطفي فكيف له أن يدرك معنى الحب، والحزن، والفرح، والخوف، بل هل يمكنه ترجمة هذه المشاعر وتقلباتها إلى أعمال فنية تلامس القلوب؟ هذا ما بات سؤالاً كبيراً في مواجهة ما يمكن للآلة الذكية أن تحققه في مجالات الفن من تشكيل للوحات، وفي مجال الأدب من كتابة لقصص، وروايات لتأتي هذه الأعمال الإبداعية جافة ومفتقرة إلى المشاعر، ولن تؤثر في جمهورها بالشكل العميق المتوقع لها.

لقد استطاع الذكاء الاصطناعي أن يصبح أداةً قويةً تساعدنا على تحسين مهاراتنا الإبداعية ولاسيما إذا ما استخدم بذكاء، ودراية، إلا أنه يظل قاصراً عن التاثير العميق فيما يصل إلى الشعور، ويختراق الوجدان ما لم تتدخل الموهبة البشرية لتحول المنتج الإبداعي إلى أثر ينبض بالروح. لو لم يأتِ الفنان الشهير (سلفادور دالي) إلى مدرسة الفن بالسريالية التي ترجمت هواجسه، وأحلامه، وما يختزنه عقله الباطن، وما ينطق به اللاشعور من رؤى، وأفكار فهل كانت الخوارزميات ستأتي بمثلها، أو بإبداع كهذا يستحوذ على مشاعر البشر، وأحاسيسهم أينما وجدوا، ويخلق لديهم بذرة السؤال؟

تقنية ليست بالجديدة.. بل ماذا عن تطبيقاتها، وأدواتها الجديدة المتطورة التي ظهرت حديثاً للعلن وهي قادرة على تحويل الكلمات إلى صور، ويمكن أن يستخدمها الفنان ذاته من دون جهد يذكر؟ صحيح أنها مهمة ليست بالسهلة بينما يستطيع الذكاء الاصطناعي تحقيقها ببساطة بسرعة فائقة، وإتقان لكن يبقى النبض الذي يصل ما بين حروف الكلمة غائباً عن اللوحة مهما كانت بارعة، ففي الحدود الفاصلة ما بين اللون واللون قصة حياة تختصرها الخطوط.. والمشاعر لا تترجمها إلا ضربة ريشة الفنان في عنفها أو لطفها، في توهجها أو خفوتها، في رمزيتها، وإسقاطاتها الجمالية، أو القيمية التي لا يدركها إلا هو أي من يمسك بيده ريشته وهو يسكب فيها كل ألوان روحه، وهذا بالتالي ما يبرر بشدة غضب الفنانين عندما فازت لوحة للذكاء الاصطناعي في المسابقة الفنية السنوية لمعرض لدى إحدى الولايات الأميركية.. ويبرر بالتالي غضب الكتّاب والأدباء عند ذيوع شهرة نصٍ أدبي كاتبه ليس سوى (روبوت) مؤلف.. مادام الذكاء الفنان، والآخر المؤلف يستقي جوهر إبداعه مما هو قائم وليس مما هو آتٍ من الإبداع، ومما قد يهدد مستقبل الأدب، والفن معاً.. وكما قال الشاعر التركي المعروف (ناظم حكمت): أجمل البحار تلك التي لم نبحر فيها بعد، وأجمل الأطفال هم مَنْ لم يولدوا بعد، وأجمل الكلمات تلك التي لم تكتب بعد.

والأمر بالطبع لا يقف عند حدود الفن التشكيلي، والرسم، والأدب إذا ما علمنا أن هذا الذكاء أصبح معمارياً بارعاً يتقن تصميم الأبنية وفق أعلى معايير البناء وأفضلها، وأكثرها حداثة لتغيب بالتالي البصمات الخاصة بالمعماري الفنان التي لا يملكها غيره، وكأنها اللوحة التي طُمس وجهها فغاب تعبيرها، وفُقدت هويتها.

ويبقى الحس الإنساني المرهف هذا الذي يختبئ بين ثنايا الروح هو جوهر الإبداع، وجوهر الفن مادام الإبداع ليس مجرد مهارة تقنية، أو معرفة علمية.. والذكاء الصناعي بحد ذاته أثراً إبداعياً متفوقاً استطاعت البشرية أن تحققه، وتمهر عصرها الحالي به وما سيتبعه من عصور قادمة وهي تشهد مزيداً من الصعود في سلم تطوره، وابتكار سلالات جديدة منه، وربما بما يتجاوزه.. مَنْ يدري؟.. إلا أن الأهم هو أن تبقى مهمته ملهماً لا أن يأخذ دور البشر في إبداعاتهم فتموت شجرة الفن، وتجف جذورها.

آخر الأخبار
قوافل حجاج بيت الله الحرام تبدأ الانطلاق من مطار دمشق الدولي إلى جدة مرسوم رئاسي حول الهيئة العامة للتخطيط والتعاون الدولي "السورية للمخابز": تخصيص منافذ بيع للنساء وكبار السن  د. حيدر لـ"الثورة": زيادة "النقد" مرتبط بدوران عجلة الاقتصاد  وفد صناعي أردني  و٢٥ شركة في معرض "بيلدكس" وتفاؤل بحركة التجارة نوافذ التفاؤل بأيدينا...    د .البيطار لـ"الثورة": الدولة ضمانة الجميع وبوابة النهوض بالمجتمع  "الاختلاف" ثقافة إيجابية.. لماذا يتحول إلى قطيعة وعداء؟ الأمم المتحدة تكرر رفضها لخطة المساعدات الإسرائيلية الأمريكية لغزة كاتب بريطاني: لا خيار أمام الفلسطينيين إلا التصميم على البقاء والتشبث بأرضهم تنتظرها الأيادي.. صحفنا الورقية لن تبرح الذاكرة دمشق والرياض .. والعمرة السياسية للمنطقة "الخوذ البيضاء" وشعار "ومن أحياها": قصة أبطال لا يعرفون المستحيل لأنها سوريا استبدال العملة السورية بين التوقيت والتكاليف اليد اليمنى لأسماء الأسد تجعل القانون مسخرة وتفرض استبدادها  سرقة مكشوفة واستبداد واضح في اغتصاب... صناعتنا الدوائية.. توقعات بإنتاجية عالية وجودة متقدمة يفتح آفاقاً تعليمية جديدة... رفع العقوبات فرصة لرفد التعليم بالتطعيم المتطور  سرقة الكابلات تتسبب في انقطاع الكهرباء والمياه بضاحية الشام  الإعلان قريباً عن تأهيل وصيانة محطة التحلية في العتيبة باحثون عن الأمل بين الدمار.. إدلب: إرادة التعلم والبناء تنتصر على أنقاض الحرب