الثورة _ هفاف ميهوب:
في كتابه «التجارة حرب ـ حربُ الغرب على العالم»، يبيّن الكاتب والبروفيسور الأوغندي ـ الهندي «ياش تاندون» أن الخطر الذي تعاني منه البشرية، ليس فقط بسبب حرب الأسلحة بأنواعها المتطوّرة، ولا حرب الإرهاب والصراعات الطائفية والمذهبية، بل وحرب التجارة التي تقودها منظمات وشركات وقوى عالمية، استخدمت التجارة كأداةٍ لاستغلالِ شعوبِ العالم وإفقارها واستعبادها، والتأثير على صحتها وحياتها ومواردها.
بيّن ذلك، بعد خبرته كمفوّضٍ قضى ثلاثين عاماً في مفاوضاتٍ تجارية على كافةِ المستويات، ومن دون أن يعتمد على الخبرة وحدها في تأليف هذا الكتاب، فقد اعتمد أيضاً، على «أدبياتٍ مكتوبة ووثائق رسمية» تؤكّد: «منظمة التجارة العالمية، هي آلةُ حربٍ حقيقية».
إنه ما تناوله منوّهاً بسعي هذه المنظّمة، وغيرها من الهيئات التي تسهّل التجارة الحرّة، لإخفاء مهمتهم في خدمةِ دوائر التجارة الكونية، وذلك عن طريقِ إشعالِ الأزماتِ والحروب، وتفكيك الصناعات المحليّة في الدول النامية، وخصخصة الخدمات والموارد العامة، وغير ذلك مما جعل تجارة هذه المنظمات والهيئات برأيه:
«التجارة في الحقبة الرأسمالية الاستعمارية، تقتل من الناس كما تقتل أسلحة الدمار الشامل والقنابل، التجارة تقتل الناس، تجعل مؤسسات الغذاء القوية، ثريّة جداً فى حساب تهميش الفلاحين الفقراء، الذين يصبحون لاجئين اقتصاديين في أوطانهم، أو يحاولون مغادرة أوطانهم للبحثِ عن عمل، في بلدانِ الغرب الغنية».
ينوّه أيضاً، بأن أحد الأسلحة الفتاكة التي يستخدمها الغرب في حربه التجارية، هي الملكية الفكرية، فلقد جعل الإرث العالمي للإنسانية، في ظلّ النظام الرأسمالي، يُباع ويُشترى، تحت اسم الملكية الفكرية.
يرى هنا، أنه بالإمكان معارضة نظام هذه الملكية، عبر التكنولوجيا الخاصة بمن يعارض، ولكن يمكن أن يستخدمها بعض الأفراد أو الجماعات أو الشركاتِ أو الدول، لتحقيق مصالحهم وزيادة نفوذهم السياسي والاقتصادي.
لا يكتفي «تاندون» بالحديث عن خطر هذه التجارة، وعن دورها في استعباد شعوب الدول النامية، بل ويقدّم رؤية تمكّن هذه الشعوب المُستعبدة اقتصادياً، من تخليص نفسها من هذا الاستعباد، وذلك عبر دعوته لها، بالاعتماد على الاكتفاء الذاتي، وتنمية اقتصاد دولتها وصناعاتها.. أيضاً، دعمها للسوق المحلية والتجارة الداخلية، والمساعدة على توفير فرص عمل تساهم في منع البطالة، وتحسين بنية مجتمعها التحتية.
أما آخر ما دعا إليه، وكي تتخلّص هذه الشعوب من هيمنة منظمة التجارة العالمية، وسطوتها اقتصادياً واجتماعياً، فالسعي لتحقيق العدالة في الاقتصاد، وإدارة حوار يسوده الوعي والتفاهم مع الدول الغربية، وبطريقةٍ تحدّ من عنفها وحروبها، بل وغطرستها التي قال في مواجهتها، قاصداً الغطرسة الاقتصادية الأميركية:
«الأقوياء لا يستطيعون أن يفعلوا ما يريدون.. هناك مقاومة في الأسفل، الشعوب في كلّ مكانٍ تقوم بالابتكارِ وإيجادِ طرقٍ جديدة لمواجهة العدوان والظلم وعدم المساواة».