حنـــا مينـــه وملامح الاغتراب في إبداعه

الثورة _ ديب علي حسن:
واحد من أهم الروائيين ليس على المستوى العربي بل العالمي وشخصية إبداعية وثقافية تركت وحفرت مجرى عميقاً في الإبداع العربي في القرن العشرين، وهو صاحب مقولة :(الرواية ديوان العصر).
في جعبة حنا مينة أكثر من ٤٠ عملاً إبداعياً كلها من استلهام الحياة وبعضها من تجاربه الذاتية، هو المبدع الذي آمن بقيمة الإنسان وصوره بحزنه وفرحه.
دراسة جديدة مهمة صدرت بدمشق عن اتحاد الكتّاب العرب تحت عنوان : الاغتراب في أعمال حنا مينه.. روايات التسعينيات أُنموذجاً، تأليف : عبد الحميد محمد الحسين.
البحر والاغتراب..
يرى الباحث أن البحر يعد من أوسع الأماكن المفتوحة على الإطلاق، ولا يؤمن جانبه، بالرغم من منظره الجميل، فالبحر غدار، هذا ما سمعناه منذ الصغر.
عاش (فاطر اللجاوي) عُمْراً على ظهر المراكب، خبر البحر جيداً، عشقه وظنّ أن عروسة البحر تنتظره؛ فقرر الخوض في مياهه المالحة ليلاً، وكانت الريح عاصفة، وخلال البحر صديقه الودود ، فاندفع في تلك الليلة العاصفة كالسهم المنطلق من قوسه، لم يأبه بالعواقب، ولا يكبر سنه، فخانة البحر، وصرعته الأمواج الباردة، وأصبح الخدر يسري في ساقه، ولم يقو على الحركة، فشعر باغتراب مكاني ونفسي، وخشي الموت غرقاً، وبدا يُحدّث نفسه : أتجمد وأغوص دون أن أطفو ثانية، إنه الفرق بين الموت اختناقاً والرسو في القاع ومن ثم الانتفاخ وعومان الجثة شلواً تتقاذفها الأمواج…. إلى أن يطرح البحر جثتي الشوهاء، المزرقة، في مكان ما على هذا الشاطئ الذي اجتزته، في تحدّ صارخ، على مملكة مائه التي لا حدّ لاتساعها وعمقها واصطحابها وهولها ، وما زاد في اغترابه، ضياعه وعدم معرفة المكان الذي هو فيه، أرسل رأسه لقدوم زورق بخاري، وراح يمعن في اختراق الجدار المائي، بعد أن فقد، في الظلمة والريح، القدرة على تحديد الاتجاه .
أما شخصية أبو خضر فتشعر بالاغتراب المكاني بسبب الوحشة القاتلة التي شعر بها على شاطئ البحر لوحدته، وخوفه على (فاطر اللجاوي) الذي غامر في دخوله البحر ليلاً رغبة في إظهار نفسه ، وخصوصاً نزوله ليلاً إلى البحر وبما أن (ابا خضر) المسؤول عن الشاطئ فإنه يخشى المساءلة على ذلك ومن ثم المحاسبة .الباب الزجاجي يشرف على الشاطئ، ولم يرأثراً لفاطر، فصعبت الرؤية وعاد غالباً، فشعر باغتراب نفسي ومكانى، لا شيء هنا إلا صوت الكلاب والظلام الدامس يخلو من فانوس ضوء وأحلى ما زاد في اغترابه، رأى خيبة الكلب كان ينبح على كلب، والظلام الدامس يزيد في وحشة الشاطئ، وليس من فلك صيد ، بدليل خلو البحر من الفوانيس المضيئة… عاد أبو خضر فأغلق الباب الزجاجي، مخبلا من هول ما يسمع، مرتجفاً برداً.
الحي – المدينة..
المدينة منطقة جغرافية مفتوحة، يقطنها مجموعة من السكان، وقد يشعر من فيها بالاغتراب، كشخصية (فاطر اللجاوي)، التي شعرت بالاغتراب المكاني فيها ، من الازدحام الناتج عن كثرة السكان، والضجيج الذي يسببه صوت الآلات ومزامير السيارات، وتلوث الهواء الناتج عن كثرة المعامل والسيارات، ولذلك لجأ إلى مكان (شاليه) على الشاطئ للخروج من حالة الاغتراب تلك، وللقاء عشيقته (سلافة)، التي كانت كذلك تهرب من ضوضاء المدينة إلى (الشاليه) الذي اعتادت على النزول فيه كلَّ مُدَّةٍ ، فقد كانت المدينة لكل منهما سجناً واسعاً – فكانا يلتقيان في نزله «كلما انتشر الاكتئاب الناشئ عن زحمة المدن تلوثها، لهاثها ، صيرورة الناس براغي صغيرة في آلة الصناعة الجهنمية التـي تفري لحماً نفسياً بين مسنناتها.
ويخلص الباحث إلى القول :
تجلت ظاهرة الاغتراب الزماني على الشخصيات وإبرازها في التقنيات الزمانية التي استخدمها والمتمثلة في تسريع حركة السرد من خلال الحذف بنوعيه الضمني، والصريح. وإبطاء حركة السردـ المونولوج ، والمشهد، والمفارقات الزمانية، والاستباقات ـ الاستشراف)، والاسترجاع، فمن خلال تلك التقنيات شخصياته تعيش ذكرى الماضي التعيس، والحاضر المؤلم المجهول؛ فبلغت بذلك حدَّ الضياع بين الأزمنة الثلاثة التشتت والعجز، والشعور بالاغتراب، فهي غير قادرة على إعادة الماضي وتصحيحه، ولا العيش في الحاضر وتغييره، ولا التَّخطيط لمستقبل أفضل، وبذلك وقفت عاجزةً في الكثير من الأحيان تجاه اغترابها الزماني، وذلك ما اعترف به حنا مينه بقوله : «كلّ إنسان يحمل الماضي والحاضر والمستقبل في ذاته، وتترك هذه الأزمنة تأثيراتها فكرياً وسلوكياً عليه، إذا ما شئنا أن نراعي التكوين الخاص الحي المتطور، وفق مراحل النمو، لكلّ من شخصياتنا الأدبية».
الكتاب دراسة مهمة لإبداع حنا مينه الذي نشر الأمل والنور وكان يكتب بحبر دمه وهو الذي واجه العواصف وانتصر للحياة وقيم الخير والعطاء .

آخر الأخبار
"المنظمات الأهلية" تحذر من انهيار منظومة العمل الإنساني في غزة القوات الروسية تحرر بلدة في دونيتسك وتدمر 12 مسيرة أوكرانية كوريا الديمقراطية: التعاون الثلاثي بين واشنطن وسيئول وطوكيو يعمق المواجهة كنايسل: الناتو سيدخل حرباً إذا ضربت كييف العمق الروسي "السورية للتجارة"  امام اختبار تسويق  20 ألف طن حمضيات .. فهل تنجو ؟ الرئيس الروسي يقر العقيدة النووية المحدثة لبلاده تحضيراً للدعم النقدي.. المركزي يذكّر بضرورة الإسراع بفتح الحسابات الدفاع الصينية: تدريبات صينية – باكستانية مشتركة لمكافحة الإرهاب طهران: العقوبات الأوروبية والبريطانية ضدنا انتهاك واضح لحقوق الإنسان  الخارجية الصينية: مواصلة تعزيز التعاون الثنائي بين بكين وموسكو ثلاثة شهداء برصاص الاحتلال خلال عدوانه على جنين في زيارة عمل لبحث التطورات في المنطقة… الوزير صباغ يصل إلى طهران بايدن يمهد لترامب بتصعيد مع روسيا "الغارديان": الكرملين يعتبر أن بايدن يؤجج نار الصراع في أوكرانيا تشاينا ديلي: العلاقات التقنية الصينية الأمريكية بحاجة إلى تعميق السفير الضحاك: اعتداءات “إسرائيل” وامتلاكها أسلحة دمار شامل يستدعي بشدة إنشاء منطقة خالية من هذه الأ... أثرت سلباً على أداء المواصلات الطرقية بطرطوس.. تعديل تصنيف الطرق المحلية إلى مركزية دون زيادة الاعتم... زراعة 7000 هكتار بالشعير في درعا.. والأمطار تبشر بالخير تقييم أداء وجهوزية مراكز الكشف المبكر لنقص السمع عند حديثي الولادة شح كميات مازوت التدفئة  المخصصة لدرعا