الثورة – راما نسريني:
تعد الحدائق العامة المنتشرة في شوارع وأحياء مدينة حلب، والبالغ عددها 155 حديقة، موزعة على 153منطقة ضمن نطاق المدينة، تجسيداً لجهود المحافظة في الحفاظ على المساحات الخضراء، لكن القصف العنيف الذي تعرضت له المدينة فترة حكم النظام البائد، والذي لم يفرّق بطبيعة الحال بين البشر والشجر والحجر، أسفر عن احتراق معظمها، أما الناجية منها فقد تعرضت لحملات سرقة وقطع جائر للأشجار، حوّلتها لمناطق أشبه بالصحراء المقفرة.
مكبات للنفايات
علاوةً على ما سبق ذكره، وبعد سقوط النظام البائد كانت هناك مشكلات أخرى، زادت الطين بِلّةً، تجسدت بالإهمال الكبير والملحوظ في ملفات عديدة، على رأسها نظافة الحدائق وتقليم ما تبقى من أشجارها أو زراعة أشجار جديدة، و تركيب مقاعد أخرى بدلاً عن تلك التي تم تكسيرها وسرقتها، الأمر الذي حوّل الحدائق اليوم إلى مكبّات للنفايات، عوضاً عن كونها متنفسًا للأهالي.
مركز للمولدات
“يلعب الأطفال يومياً في الشارع متسببين بإزعاج كبير للسكان، بسبب أصواتهم العالية، ناهيك عن تعرضهم لخطر الدهس من السيارات، لكن لا بديل لهم، فلا حدائق جاهزة للعب ولا منتزهات”، يشرح بكري حاج علي، وهو موظف متقاعد، يقطن في حي صلاح الدين لـ”الثورة”، المشهد اليومي، واصفاً إياه بالضّار لجميع أطرافه على حد سواء من أهالٍ أو أطفال”.
وأضاف: هناك حديقة بالفعل في الشارع الخلفي، إلا أنها أصبحت مكباً للنفايات، فضلاً عن استيلاء البعض على مساحة كبيرة منها لوضع المولدات فيها، الأمر الذي حول تلك المساحة الخضراء والمتنفس الوحيد لأهالي الحي، إلى أزمة كبيرة وخطر جسيم يهدد الصحة العامة.
خطوات خجولة
في محاولات لتحريك هذا الملف المنسي، بادرت بعض الجمعيات والمنظمات، لإعادة تأهيل بعض الحدائق، مثل حديقة سيف الدولة، التي شملتها مبادرة ” بكرا أحلى” التي أطلقتها منظمة “شفق” بالتعاون مع فرق تطوعية عديدة، تضمنت إزالة للركام والأوساخ، زراعة أشجار وتركيب أعمدة إنارة تعمل على الطاقة الشمسية، بمشاركة من أهالي الحي لإعادة الحياة للحديقة.
وفي الإطار ذاته قامت مديرية الحدائق في مجلس مدينة حلب بأعمال إعادة تأهيل حديقة هنانو وغيرها من محاولات متواضعة، لإعادة الروح لأحياء حلب، إضافة لمحاولات فردية من الأهالي، تمثلت بتنظيف الحدائق المقابلة لمنازلهم، وزرع الأشجار فيها.
“واحدة من أهم المبادرات اليوم في حلب، هي حملات التشجير، ناهيك عن الحدائق، نحن بحاجة للاستفادة من كل شبر وكل مساحة فارغة في زراعة شجرة، وخاصة في الأحياء العشوائية للمدينة”، يعبر مصطفى سلطان أحد سكان حي الجميلية عن أهمية توسيع المساحة الخضراء في المدينة في إطار تحسين الواقع الخدمي والبيئي في المنطقة.
البلدية ترد
وفي سياق رده، أكد المجلس البلدي في حلب لـ “الثورة”، أن العمل يتم على المحاور كافة، من إزالة وترحيل الأنقاض من الحدائق إلى المكبات المخصصة، وإعادة ترميم الأسوار المتضررة، وصيانة الآبار والمناهل للسقاية والأحواض المائية، كما قامت البلدية بزراعة الأشجار، إضافة لمتابعة الأعمال الزراعية (تعشيب- سقاية- عزيق- فلاحة- تقليم- نظافة) والعناية بأقفاص الحيوانات الأليفة والطيور.
وعن الأعمال اللوجستية، قامت البلدية، وفقاً لمنسقها الإعلامي أحمد المحمد، بصيانة دورية لألعاب الأطفال داخل الحدائق، وترميم المقاعد وسلات المهملات وأعمدة الإنارة والأبواب، إضافة لإنتاج غراس جديدة عن طريق زراعة البذور والأقلام النباتية ضمن مشاتل الحدائق المخصصة.
لكن فيما يخص العروض التمويلية من قبل شركات خاصة، نفت البلدية وجود عروض حالياً، وإنما ترميم من قبل بعض المنظمات والجمعيات الداعمة لترميم الحدائق التالية: (حديقة الحاووظ في قاضي عسكر- حديقة الأنيس في باب النيرب- حديقة الحرابلة في المرجة- حديقة الأفراح في حي السكري- حديقة أرض الصباغ في حي صلاح الدين- حديقة الرازي في المحافظة- حديقة هنانو في مساكن هنانو).
وحول سؤالنا عن الميزانية، جاء رد البلدية، أنه لم يتم تخصيص ميزانية محددة لمديرية الحدائق بحلب حتى الآن.
وعلى الرغم من كل المبادرات الرسمية والفردية، تبقى المساحات الخضراء في حلب لا تتناسب وحجم التلوث في المدينة، الأمر الذي يستدعي خطوات جادة أكثر في هذا المجال، الذي لا يقتصر فقط على الترفيه فحسب، وإنما يشكل نقطة هامة في مستقبل المدينة البيئي.