الثورة – علي إسماعيل:
في منعطفٍ سياسي وأمني لافت، أعلنت دمشق عن اتفاق شامل لوقف إطلاق النار بين الجيش وقوات (قسد) في أحياء الشيخ مقصود بحلب ومناطق شمال وشمال شرق البلاد، وجاء الاتفاق، الذي أعلنه وزير الدفاع اللواء مرهف أبو قصرة، تتويجاً لجهود القيادة السورية في احتواء التوترات الميدانية عبر الحوار والتفاهم، في خطوة تعكس إصرار الدولة على ترسيخ الاستقرار الوطني وحماية المدنيين وتغليب منطق السياسة على منطق السلاح.
اللقاء الذي جمع الرئيس أحمد الشرع بالمبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا توماس باراك، بحضور قائد القيادة المركزية الأميركية الأدميرال براد كوبر، شكّل إشارة واضحة إلى أن المسار السياسي السوري، دخل مرحلة جديدة من التفاعل مع الأطراف الإقليمية والدولية على قاعدة الحفاظ على وحدة الأراضي السورية وسيادتها، وإعادة تنظيم العلاقات مع القوى المحلية ضمن مشروع وطني جامع.

وفي هذا السياق، قال المحلل والنشاط السياسي عبد الحفيظ شرف في حديث لصحيفة الثورة: “إن تدخل القيادة السورية بشكل مباشر لإيقاف الاشتباكات في الشيخ مقصود شكّل نقطة تحوّل، ليس فقط في ضبط الميدان، بل في إعادة تثبيت النهج الوطني القائم على الاحتواء والحوار، وتأكيداً على صوابية رؤية الدولة السورية في فتح الأبواب أمام الحلول السياسية الداخلية، بعيداً عن إملاءات الخارج التي ترهن قرار قسد”.
وأضاف شرف: “إن الاتفاق على وقف إطلاق النار، أمر إيجابي للغاية، خاصة أن القيادة السورية أنهت الاشتباكات وغلّبت الطريق السلمي لحل الخلافات، مؤكداً أن هذه المبادرة “تعكس روح المسؤولية الوطنية، وأن الرهان الحقيقي يجب أن يكون على التفاهم السوري- السوري، لأن أي انزلاق نحو المواجهة العسكرية سيخدم أجندات خارجية ويقوّض الجهود المبذولة لبناء الدولة الجديدة”.
وحذّر شرف من الانجرار وراء الحلول الأمنية في مثل هذه الملفات الحساسة، وقال: “البعض يعتقد أن الحل الأمني سيكون سريعًا وبدون عواقب، وهذا غير صحيح، فالكل خاسر، وأكبر الخاسرين في مثل هذه المعارك هم السوريون أنفسهم، فما حدث في الشيخ مقصود كان اعتداءً سافراً من قبل (قسد) التي تستقوي بالخارج، وقد تعاملت الدولة بمسؤولية عالية لتجاوز الموقف عبر اتفاق سريع وفعّال يجنّب البلاد دوامة جديدة من العنف.”
وقال شرف: “علينا أن نعي أن أي مواجهة عسكرية في مناطق الجزيرة أو الشمال الشرقي ستكون مكلفة جداً، وستؤدي إلى زعزعة استقرار سوريا بأكملها، وليس فقط في مناطق محدودة، لذلك يجب دعم جهود الدولة السورية والابتعاد عن الأصوات التي تحرض على التصعيد وتشحن الأجواء بالكراهية، لأن هذه الأصوات تعمل ضد المصلحة الوطنية.
“بين الحل الأمني والحل السلمي وفي تفصيلٍ تحليلي لخيارات التعامل مع ملف “قسد”، يفرّق شرف بين الحلين الأمني والسلمي قائلاً: “الحل الأمني ينطلق من منطق السيطرة والإخضاع، ويرى أن استعادة الدولة لسلطتها لا يمكن أن تتحقق إلا عبر القوة وإزالة أي كيان موازٍ لسلطة المركز، لكنه يحمل مخاطر كبيرة على المدى البعيد، إذ يهدد بعودة التوترات العرقية ويعيد إنتاج الانقسام، والقيادة السورية تعي ذلك فهي تعمل على تغليب الحل السلمي والتفاهمات وتسعى جاهدة لتطبيق اتفاق 10 آذار إلا أنها تواجه عراقيل عديدة أبرزها مماطلة “قسد” في التطبيق واستقوائها بعناصر خارجية لا تريد الاستقرار لسوريا”. في المقابل، يوضح شرف أن الحل السلمي ينطلق من رؤية وطنية واقعية تعتبر أن دمج (قسد) في المشروع الوطني السوري، خطوة ضرورية لتثبيت وحدة البلاد واستقرارها، وهذا ما قام عليه اتفاق 10 آذار، مشيراً إلى أن هذا المسار “يقوم على الحوار وتفاهمات داخلية مدعومة بضمانات عربية ودولية، تعيد هيكلة العلاقة بين المكونات والمناطق ودمج القوى المحلية في مؤسسات الدولة على أسس مهنية ووطنية”.
كما أن الحل السلمي يسهم في بناء الدولة على أسس من الثقة والشراكة، ويمنح سوريا فرصة حقيقية لاستعادة دورها الإقليمي ومكانتها الطبيعية”.
شرف ختم حديثه بتقييمٍ شامل للوضع الراهن وقال: “هناك ضغوط كبيرة تمارس على (قسد)، واتفاق دولي وداخلي لدمجها في بنية الدولة السورية، في حين تحاول بعض الأطراف الخارجية خلط الأوراق وجرّ البلاد إلى مواجهة مفتوحة.
ويؤكد شرف أن “المعركة الحقيقية اليوم ليست في الميدان، بل في قدرة السوريين على الانتصار للحوار والعقل، لأن من ينتصر للسلام يربح المستقبل، ومن يصر على العنف يخسر الوطن.” اتفاق وقف إطلاق النار في حيي الأشرفية والشيخ مقصود يبرز كعلامة فارقة في مسار الدولة السورية نحو تثبيت الاستقرار وترسيخ ثقافة الحوار، فبينما تسير القيادة في الطريق الأصعب لكنه الأضمن، تسير “قسد” في طريق التعنت والاستقواء بالخارج.