ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير علي قاسم:
لم تكن إشارة الرئيس الروسي الصريحة إلى الدور السعودي في أزمة أسعار الطاقة العالمية هي الوحيدة، وإن كانت الأكثر دلالة، فقد سبقتها تصريحات ومواقف كانت تعتمد على الدليل والقرينة الدامغة بخصوص ذلك الدور، والأمر لا يقتصر على أسعار الطاقة،
بل أيضاً بما تمارسه من تمويل للإرهاب وتوفير بيئة خصبة لتكاثره وتفشيه على نطاق المنطقة والعالم، وما تقوم به من مهمات مرحلية تجاوزت طابعها الوظيفي البحت.
فالسعودية لم تعد تكتفي بتلك المهمات، بل تضيف إليها من خارج النص، بعضه بتنسيق مسبق وأغلبه قد يكون من دونه!! فانزلقت إلى حد التحرش بكثير من القضايا التي تتفرد بها دون سائر دول العالم، بدءاً من مسألة الدجل في حقوق الإنسان وليس انتهاء بالنفاق في تشريعات تعد الأكثر ظلامية وتخلفاً على مستوى العالم حديثاً وقديماً، في حماقة تفتح الباب على مهازل غير مسبوقة في السياسة الدولية!!
من هذا المنطلق قد لا تكون المسألة في الإشارة الروسية، ولا حتى في أصابع الاتهام التي تحدثت صراحة عن الدور السعودي وجبهاته المفتوحة، بقدر ما هي في دلالة الاستخدام وتوقيته، حيث الإرهاب السعودي المزمن في عدوانيته وعمالته للغرب وأذنابه، لم يعد حكراً على إنتاج تنظيمات إرهابية، ولا هو وليد الأزمة القائمة في المنطقة منذ أربع سنوات ونيف، وإنما تشمل جذوره الممتدة لعقود من الزمن، وقد تجلى بمقارباته المختلفة التي تطل اليوم من البوابة النفطية وأسعار الطاقة.
بالطبع لا أحد بمقدوره أن ينكر أن الإرهاب السعودي بشكله الحالي والقديم هو نتاج عقود من المصالح القائمة والارتباطات الوظيفية، التي تحاكي من خلالها الأطماع الغربية، وبالتالي كان حصيلة تفاهمات مع الغرب عموماً وأميركا تحديداً على الدور الوظيفي لمملكة بني سعود في المنطقة، ومقارباتها المتعددة في السياسة والاقتصاد والإعلام لتكون وفق متطلبات تلك الأطماع، وعلى مقاس الرغبة الأميركية.
لكن اللافت أن الاستخدام الغربي للدور الوظيفي للسعودية قد خرج عن نطاقه المحلي والإقليمي، إلى توكيلها بمهمات وظيفية بصبغة عالمية، تحاول عبرها أن توجه حرابها لتطول ما هو خارج المنطقة، بعد أن شعرت بأن الدور الوظيفي على مستوى المنطقة والاكتفاء ببيدق الإرهاب قد انتهت صلاحية استخدامه، أو وصل إلى عتبة الإفلاس ما استدعى أن تكون رأس حربة وشريكاً معلناً في حروب أميركا المعلنة والخفية.
وهذا ما اقتضى ربما في أحد أهم أسبابه الإفصاح – ولو تأخر بعض الوقت -عن ذلك الدور بعد عقود من الصمت حيال التواطؤ الغربي المسكوت عنه، ولتطفو على السطح أحاديث ومؤشرات تعكس الاستطالات المرضية وتورم دورها بما يهدد السلم والأمن الدوليين وعلى نطاق أوسع بكثير مما كان يعتقد.
والسؤال.. هل تكفي الإشارة والتصريح ومرافعات الاتهام المزدوج للسعودية؟! وهل نحن أمام انعطافة حقيقية في الموقف الدولي من ذلك الدور التفجيري للأزمات والمفرخ للإرهاب المسكوت عنه على مدى العقود الماضية؟
ما هو واضح أن السعودية حين أعلنت تبنيها الإرهاب، وحين كشفت علناً عن دورها في خدمة المشروع الصهيوني، وعندما اعترفت بأصابعها الموغلة في افتعال الأزمات العالمية خدمة لأميركا وحلفائها وإسرائيل، فهي تنطلق من حسابات تراكمية ومعادلات لتجارب موغلة في القدم عبر دور بات يشكل عبئاً وجودياً على المصالح الأميركية ذاتها، بدليل أن هناك امتعاضاً في الأوساط الغربية من دورها الخفي وظيفياً، وتذمراً من حالة الإفلاس التي تواجهها على مستويات أدوارها الإضافية.
وهذا يحتم النظر إلى المسألة من بوابات أخطر بكثير مما يجزم به بعض المحللين، فهي حين مارست دورها في دعم وانتاج الإرهاب فكراً وممارسة وتنظيماً أدركت أنه لم يعد كافياً للإبقاء على وتيرة تحالفاتها، وأن كلفة الحفاظ على ذلك الدور بحسابات الغرب باتت أكبر بكثير من ثمن التفريط به سياسياً واستراتيجياً، ما اقتضى إعادة النظر في ترتيب أوراقها وإشهار حروبها وأدوارها استباقياً.
المحسوم على أرض الواقع أن التورم في الدور السعودي أوصلها موضعاً سيكون من الصعب معه التعاطي من باب الضغط, أو الاعتقاد بأن الإشارات هنا وهناك تكفي لوضع حد لحماقة القرار السعودي، وخيار المقامرة بأمن العالم واستقراره متخذ لديها وواضح سواء ما يتعلق بما أنتجته من إرهاب عابر ومستقر، أم من خلال أصابعها المتشابكة مع الغرب في إثارة المشكلات العالمية وخدمة الاحتكارات الغربية أو عبر تحولها إلى منصة لتفجير الصراعات وإشعال النيران في المنطقة وخارجها.
الاعتراف سيد الأدلة.. والإقرار بوابة مفتوحة على الملأ بأن الأمر خرج عن مسألة مشاغبات سياسية بائسة، واللعب بنار الإرهاب وبحرائق الأزمات المتفجرة في العالم قد أوصلها إلى نقطة اللاعودة، وعليها أن تنتظر ما هو أبعد من اتهام وأكثر من إجراء.. فقد اقتربت الأمور من نهاياتها، وفي النهايات تتعدل الحسابات والأهم أنها تقلب المعادلات الوظيفية بعد أن مضى عليها ما مضى!!
a.ka667@yahoo.com