الملحق الثقافي-رفاه الدروبي:
كم كنت أطوق فرحاً عندما كنت أقرأ زاويته في صحيفة تشرين بأسلوبه السهل الشفيف، مُتدرِّجاً بفكرته كمن يصعد سلماً ليصل إلى نهاية المطاف، وكأنَّك تناولت قطعة حلوى ترافقها ابتسامة تعلو ثغرك.
إنَّه الكاتب عادل أبو شنب مَنْ يصعب اختزال حياته في مربع إبداعي واحد… إنه كاتب كبيررحل عن عمر ناهز الثمانية عقود (٨١ عاماً)، ولد في دمشق عام ١٩٣١، من أب حجازي وأمٍّ سورية، وترعرع في حي القيمرية إحدى حارات دمشق العتيقة، القريب من الجامع الأموي، والمكتبة الظاهرية والمخزون الشعبي والفكري، دخل الجامعة ليدرس في قسم الفلسفة وعلم النفس، منطلقاً منها لتخطَّ يمينه الكثير من الروايات والقصص، والمسلسلات الإذاعية منها “بطولات مجهولة” أداء فرقة مصرية مؤلفة من “سناء جميل، أمينة رزق، شكري سرحان”.
الصحافة
اختصر أبو شنب مختلف أنواع الكتابة في مجموعته القصصية الأولى “عالم ولكنَّه صغير” عام ١٩٥٦ فأنبأت عن ولادة قصاص لافت، ليكون واحداً من أعمدة القصة في الخمسينات، وشاهداً خلال نصف قرن على تاريخ الصحافة الثقافية السورية، وخاصة عندما انخرط باكراً في العمل الصحافي، فتنقّل بين أكثر من صحيفة..منها: “الجمهور، الشام، العلم، صوت الشعب”، قبل أن تحجب مرحلة الوحدة الصحف السوريّة الخاصة، وتستبدلها بصحيفة الوحدة لكنَّها أُغلقت، وتفرّق شمل صحافييها، وكان نصيب صاحب “أحلام ساعة الصفر” الاعتقال بتهمة الشيوعية.
بيد أنَّ لوثة الصحافة، لم تفارقه إلى آخر يوم في حياته عبر عموده الأسبوعي في صحيفة الثورة، إضافة إلى كتابة القصة والرواية، وقصص الأطفال فأسَّس أواخر الستينات أول مجلة للأطفال “أسامة”في القطر،
وكان قادراً ورائداً في مجال صعب وشائك، ويحتاج إلى معرفة ودراية بعالم الطفل وسيكولوجيته.
ثم عُيِّن رئيساً للقسم الثقافي في جريدة تشرين، وكان عضواً لجمعية القصة والرواية في اتحاد الكتَّاب العرب، كما عمل خلال دراسته عام ١٩٥٠ في مجال الصحافة لينثر حبر قلمه في جريدة لسان الشعب، فكان يحرِّرها وحيداً، وسط غابة من الصحف تصدر في دمشق آنذاك، وعددها يزيد على ٢١ جريدة صباحية واثنتين مسائيتين، وثلاث مجلات أسبوعية، ثم انتقل من لسان الشعب إلى صحيفة الجمهور، كان يصدرها الصحافي بشير كعدان، وأعقبها بصحيفة الشام صاحبها بكري المرادي، ثم انتقل إلى جريدة العلم كانت تصدر ظهر كلّ يوم، وأثناء ذلك قامت الوحدة بين مصر وسورية فصدرت جريدة الوحدة، ومديرها العام راتب الحسامي ورئيس تحريرها جلال فاروق الشريف، وعمل رئيساً لتحرير قسم الثقافة والمنوّعات فيها حتى وقع الانفصال.
الدراما التلفزيونية والمسرح
كان من أوائل كُتّاب الدراما التلفزيونية السورية، أيام الأبيض والأسود، فكتب أكثرمن عشرة مسلسلات شهيرة، حفرت في ذاكرة السوريين، وكان مجدِّداً ومنوِّعاً في مجالات إبداعه، إذ جاب في كثير من الأحيان الحارات الدمشقية وأزقتها، ليصوِّرالحياة الاجتماعية وما يعتريها من عادات وتقاليد عكسها في مسلسله “حارة القصر” عام ١٩٧٠، حيث كانت الشوارع تخلو من المارّة لمشاهدة وقائع جديدة منه، ومسلسلات “فوزية، وردة الصباح، هذا الرجل في خطر”. عرضتهم التلفزة السورية، وتمَّ تناول المسلسل الأخير بحبكة درامية مشوِّقة، كونه يحكي عن رجل يتلقَّى رسائل تهديد بالقتل لكن في النهاية يكون نفسه الفاعل كي يستدرعطف المحيطين به.
كما اتجه إلى توثيق المسرح العربي عبر كتابه المرجعي “مسرح عربي قديم، كراكوز عام ١٩٦٤ ورائد المسرح السوري أبو خليل القباني، كان ياما كان” بيد أنَّ كتابه الأول عن المسرح، أثار ضجة كبيرة، كذلك اشتغل صاحب “الآس الجميل” على الفولكلور الدمشقي أيضاً، في أكثر من كتاب، لعلَّ أهمّها “دمشق أيام زمان” عام ١٩٧٩ الصادر في ثلاث طبعات، ورصد في روايته الأخيرة “ًذكر السلحفاة” عام ٢٠٠٥، بدقة وجرأة المراحل الساخنة العاصفة بسورية خلال عقدي الخمسينات والستينات من القرن الماضي في ظلّ الانقلابات العسكرية المتلاحقة، تناولها كشاهد عيان عاش الأحداث من كثب، بينما كان يعدّ لإصدار كتابه الأخير “مجنون يكتب وعاقل يقرأ” قبل أن يفارق الحياة.
آراء الأدباء والنقاد
فيما رأى الدكتور علي القيم في كتابه حكواتي الشام أنَّ أبا شنب تعلَّق بدمشق وأحبَّها حبَّاً كبيراً، وترجم حبَّه لها في الكتابة الغزيرة عن عاداتها، تقاليدها، مقاهيها، أهلها سلوكياتهم ولباسهم، لكن برغم كلِّ حبِّه لدمشق فقد غادرها إلى مقبرة ضاحية قدسيا حيث لم تجد أسرته قبراً في مقبرتي باب الصغير أو الدحداح، مبيِّناً في كتابه أنَّ أبا شنب كان حاضراً في الساحتين الثقافية والفنية منذ أكثر من خمسين عاماً فعاصر بدايات التلفزيون العربي السوري، وبواكير المسرح السوري، وانطلاقات الدراما التلفزيونية، كما كان مساهماً فعّالاً في نشاطات ومؤتمرات اتحاد الكتَّاب العرب ووزارة الثقافة، موضِّحاً أنَّه في كلِّ ما كتب وأبدع كان مثال الحكواتي الذي أجاد استخدام أدواته
وعرف كيف يثير الانتباه ويلفت الأنظار بلهجة شامية متقنة محبَّبة إلى حكايات يعزفها من دهاليز الذاكرة ويرددها بكلماتها المرصوفة الأنيقة الشبيهة بالشعر.
ويتضمن الكتاب شهادات من قبل ثلاثة عشر أديباً وموسيقياً ومخرجاً درامياً وصحافياً، ومختارات من دراساته ومقالاته وخواطره وحواراً لم يُنشر معه. وتشيد الشهادات المقدّمة بمناقبه وإصراره على الكتابة حتى الرمق الأخير، كونها حقيقة يدركها القارئ السوري مَنْ ظلَّ يتابع كتاباته في عدد من الصحف المحليّة والعربيّة حتى آخر أيامه على مسرح الحياة..
حسب ما أشار إليه الأديب عبد النبي حجازي، بشهاداته أنَّه غادر الحياة والقلم بيده ،فارقها بإصرارفارس لم يكبُ جواده، ولم ينب سيفه. أمَّا الدكتور حسين جمعة فاعتبره أديباً مبدعاً وحاضراً، يحفر في عمق الفكروالثقافة والأدب والنقد، ويُقدِّم قناعاته وآراءه من دون مواربة واضطراب أو تشويه وتشويش وتسطيح وسذاجة.
العدد 1216 –3- 12 -2024