الملحق الثقافي- هادي دانيال:
كأنّني وَرَقَةٌ خَضْراءُ مُنذُ أرْبَعِينَ سَنَةً
قَدْ غادَرَتْ غصْناً مِنَ الشَّجَرَةِ الخالِدَةِ
حامِلَةً في حُلْمِها الجُّذُورَ والتُّرْبَةَ والهَواءَ
تَنْبُضُ في تَرْحالِها وحلِّها
ما اسْتَبْدَلَتْ غصْناً بِغِصْنِها
ولا تَمَكَّنَتْ رياحُ الغَرْبِ والغُرْبانِ مِن يَخْضُورِها
وَرَقَةٌ خَضْراءْ
خُضْرَتُها مِن نَجْمَتَي رايَةٍ فاضَتْ عَنِ السَّماءْ
في الصيفِ والربيعِ والخريفِ والشتاءْ
أنْدى وَحِيداً كُلَّ فَجْرٍ هاتِفاً: سُوريّا
كأنَّنِـي غَدَرْتُ بِي يَوْمَ رَحَلْتُ عَنْكِ يا بِلادِي
لكنّني غادَرْتُ حامِلاً مِن أجْلِ جزْءٍ مِنْكِ يا حبيبتي –
تذكِرَةَ اسْتِشْهادي
وَشاءَتِ الأقدارُ أنَّنِي بقيتُ حَيّا
بَيْنِـي وَبَيْنَكِ الجِّبالُ والبحارُ يا سُوريّا
تَحْملِني الأنهارُ تارَةً كَقَشَّةٍ مُهْمَلَةٍ
وتارَةً يُعْصَفُ بي
كأنّنِي مُبَشِّرٌ بالعَصْفِ أوْ نَبِي
وتــارَةً يَزْهُو بِيَ النَّسيمُ
وَكَمْ وَكَم يا وَطَني حَفَّتْ بِيَ النِّيرانُ واسْتَفْرَدَتِ الذُّؤبانُ بِي
وَما أنا هِرَقْلَ أو عَنْتَرة العبسيّ يا أبي
لكنِّني إذا سَقَطْتُ دائماً أقُومُ،
وَما شَعَرْتُ لَحْظَةً بأنَّني يَتيمُ
فكُلَّما ضاقَتْ بِيَ الدُّنيا
وَقَبْلَ أن يَفيضَ الدَّمْعُ عن عَيْنَيَّا
أفْرَدَتِ الرُّوحُ جَناحَيْها
إلى سُوريّا
يا شامُ يا أيْقونَة الإنسانِ يا حَنينَهُ إلى ابْتِسامَةِ الحياةِ
هذا العَذابُ عابِرٌ
عُبُورَ قطعانِ الذّئاب في الفلاةِ
بل مثلما يعبرُ ظلُّ الـغَيْمةِ السَّوداءِ في المِرآةِ
وأنتِ يا جَوْهَرَةَ الكَونِ وإسّهُ
مَـحْرُوسَةٌ بَقَدَرٍ قُوَّتُهُ
لا شَعْر شَمْشُونَ /
لا كَعْب آخِيلَ الذي يُمكِنُ أن نَجسَّهُ
لكنّهُ مُجَسَّدٌ بِجَيْشِنا الطّالِعِ كالبُركانِ مِن ضُلُوعِنا /
كَطائرِ الفينيقِ مِن رَمادِنا
– قُدِّسَ سرُّهُ الذي نجهَلُه –
لأنَّهُ مِن ذَهَبٍ مِنْجَمهُ يَلْمَعُ في الثُّرَيّا
لكنّنا نُحِسُّهُ
لأنّنا مِن طِينِكِ الخَصيبِ والمَهيبِ
يا سُوريّا
العدد 1216 –3- 12 -2024