الثورة – ديب علي حسن:
ما تناولته افتتاحية صحيفة الثورة أمس حول طوفان الغزو الإعلامي الذي لا يرحم، جاء بتوقيته المناسب، بل ربما كان من الضروري ومازال أن تكون حملة إعلامية حقيقية من قبل وسائل الإعلام الوطنية لشرح مقار الدس، والتحريض الذي تتعرض له سوريا منذ سقوط النظام البائد، وقد ابتكرت هذه الوسائل الكثير من أساليب التضليل.
هذا ما يدعونا للحديث عن الوعي الإعلامي والثقافي وتحصين العقول، والانتباه إلى أن الإعلام المغرض يبدل في أدواته ويجدد تحت عناوين براقة مثل (حرية الإعلام) التي يتخذها أسلوباً للغزو الفكري.
وفي هذا الإطار يتحدث الدكتور صباح ياسين في كتابه المهم (الإعلام حرية في انهيار) قائلاً: يجب أن يقاوم المتلقي الإرسال، وهي مقاومة طبيعية قائمة على أساس أن المنظومة الثقافية لكل إنسان لها سياجها الداخلي والخارجي الذي يدافع عن الخصوصية ويعمل على تعميق الاقتناعات من كل المؤثرات الغربية، وما يطلق عليه عبد الإله بلقزيز مفهوم (شكل من الممانعة الثقافية ضد الاستسلام، ومحاولة البحث عن نقطة توازن في مواجهة عصف التيار الثقافي الجارف).. إنها محاولة الاحتماء من عملية اقتلاع كاسحة، وهي وإن كانت دفاعاً سلبياً عن الثقافة والجمعي، إلا أنها تظل- في النهاية- مظهراً من مظاهر المقاومة الثقافية المشروعة.
وفي الواقع، فقد أدى التوظيف المقصود للإعلام في إطار مغايره الواقع والخداع إلى تعزيز موقف التحسب والحذر من قبول كليات الرسائل الإعلامية، وأضحى على الإنسان المتعرض لسيل جارف من الرسائل عبر الوسائل السمع – بصرية، أن يتخذ موقفاً رقابياً داخلياً وبما يعزز من حصانته ضد محاولات تخریب منظومة القيم وإحلال أخرى بديلة، وقد كشفت حرب الخليج الأولى عام ۱۹۹۱ حجم وإمكانية ممارسة الخداع والتزوير ضد الخصم، فقد استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية حشداً من الأكاذيب التي تقود إلى خلط الأوراق وتحطيم الخصم، وتلك الممارسات لم تكشف فقط عن إمكانية ممارسة كل ذلك الخداع ومخالفة الواقع وحسب، بل إمكانية أن يتحول الإعلام إلى مطرقة كبيرة تضرب الخصم كل لحظة لتقود ليس إلى الاستسلام، بل إلى اليأس والجنون.
ولذا، فإن قوة الوسيلة الإعلامية هنا تكمن في أنها يمكن أن تغرق الأرض ببحر متلاطم لا يمكن مقاومة أمواجه، وبالتالي تتداعى وسائل الحماية، وبضمنها منظومة الرقابة الداخلية، بحيث يصبح من الصعب على الفرد الذي تسلط عليه كل هذه القوة أن يميز بين واقعه الحقيقي، والواقع المزيف الذي تم إحلاله وتحديد أبعاده، وعملياً فقد حول الضغط المتواصل العالم الحقيقي القائم، إلى عالم أكثر ضبابية وأقل وثوقية، وبالتالي يمكن أن تمارس آليات زرع القيم وإقناع الأفراد والمجتمعات بقبولها.
ويضيف ياسين: لقد أسهم الإنجاز العلمي ومن دون، أو عن قصد في تشديد القبضة على حرية الإعلام.
من هنا علينا أن نكون قادرين في هذه المرحلة من بناء سوريا على تحصين الوعي الثقافي والإعلامي، والكل مسؤول عن ذلك في ظل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي التي تعمل كأدوات فتك وتفتيت.
المهمة ليست سهلة، ولكنها ليست مستحيلة، فالوعي الذي يتمتع به السوري يجب أن يكون هو الواجهة والهوية.
#صحيفة – الثورة