الثورة – ديب علي حسن:
بداية لابد من الإشارة إلى الجهود المهمة والكبيرة التي نلمسها عند قراءة أي كتاب فكري مترجم، ولاسيما تلك التي تحمل الينا وجبات معرفية لم تكن في الحسبان.
هذا ما يدعونا لأن نقدم الشكر للأستاذ الدكتور نايف ياسين، بصفته أولاً مفكراً ومترجماً ومن ثم مديراً عاماً للهيئة العامة للكتاب في سوريا.
ومناسبة ذلك صدور كتابه المترجم المهم جداً (زمن النهايات النخب والنخب المضادة …) تأليف: بيتر تيرش .
في هذا الكتاب قراءة جديدة لمفهوم النخب ولاسيما في الولايات المتحدة الاميركية .
مفهوم مغاير
فقد صدر حديثاً، ضمن المشروع الوطني للترجمة، كتاب “زمن النهاية- النُّخب والنُّخب المضادة، والمسار المفضي إلى التفكك”. تأليف: بيتر تيرشن، ترجمة: د. نايف الياسين.
منذ أكثر من ربع قرن من الزمن، يدمج بيتر تيرشن، أحد أهم علماء الاجتماع في عصرنا، في دراسة التاريخ مناهج ورؤى من مجالات أخرى، وكتابه هذا تتويج لعمله الذي يهدف إلى فهم العوامل التي تسبب تماسك المجتمعات، وما الذي يسبب انهيارها، ومدى انطباق ذلك على الاضطرابات التي تشهدها الآن الولايات المتحدة الأميركية، يجادل تيرشن أن دروس تاريخ العالم واضحة، فعندما يميل التوازن بين النخب الحاكمة والأغلبية على نحو مفرط لمصلحة النخب، يصبح عدم الاستقرار أمراً لا مفر منه، فمع تصاعد تفاوت الدخول، وتدفق الرخاء تدفقاً غير متناسب إلى أيدي النخب، يعاني عامة الناس، وتصبح الجهود التي تبذلها مختلف شرائح المجتمع للانضمام إلى النخبة أكثر من أي وقت مضى .
من النخب؟
في تعريف النخب يتساءل :من النخب؟ أنت أيها القارئ، هل أنت من “النخبة”؟ لو كنت رجل رهان سأتنبأ أن ۹۹ بالمئة من قرائي سيجيبون بـ “لا !” إذا، دعونا نعرف ما أعنيه بـ “النخب”.. في علم الاجتماع، أفراد النخب ليسوا أولئك الذين يُعَدُّونَ على نحو ما أفضل من بقية الناس، ليسوا بالضرورة أكثر جداً في العمل، أو أكثر ذكاء، أو أكثر موهبة إنهم ببساطة أولئك الذين يتمتعون بقدر أكبر من السلطة الاجتماعية، أي القدرة على التأثير في الآخرين. مصطلح وصفي أكثر للنخب هو “أصحاب السلطة”.
ولأن السلطة جزء مهم من قصتنا التي سترويها، سنعود إليها في دراستنا ، حيث نناقش تعريف علماء الاجتماع للسلطة وأصحابها في مجتمعات مختلفة في الماضي والحاضر.
السلطة والثروة في امريكا:
في هذه المرحلة، دعونا نأخذ طريقاً مختصراً، في أميركا، ترتبط السلطة على نحو وثيق بالثروة، ونتيجة لذلك، نستطيع أن نعرف بوضوح من ينتمي إلى المراتب المختلفة لأصحاب السلطة.
إذا كنت أميركياً، وتملك ثروة تراوح بين مليون ومليوني دولار، على سبيل المثال، فستكون بين أغنى ۱۰ بالمئة من السكان، وهو الترتيب الذي يضعك في المراتب الدنيا للنخب الأميركية، معظم الناس في هذه الفئة ليسوا أقوياء على نحو خاص، بمعنى أنهم لا يتحكمون بعدد كبير من الأشخاص الآخرين، لكن ثروة تقدر ببضعة ملايين (والدخول الأعلى المرتبطة بها عادة تمنح أفراد فئة الى ١٠ بالمئة قدراً كبيراً من السيطرة – السلطة – على حياتهم هم ، إنهم يستطيعون رفض الأعمال غير المريحة، أو التي لا تحقق دخلاً كافياً، أو الموجودة في مناطق لا يرغبون في الانتقال إليها، أو إنهم يستطيعون اختيار التقاعد من سباق الجرذان هذا برمته، إنهم يملكون عادة منازل، ويرسلون أطفالهم إلى كليات جيدة،.
نقطة أخرى ينبغي أن تبقى في الذهن هي أن أصحاب السلطة في أميركا لا يظلون فقراء وقتاً طوال الوقت مثلاً نشأ كلينتون في أسرة فقيرة في أركنسا مع معاملة أسرته، أما الآن فتقدر ثروته بما لا يقل ١٢٠ مليون دولار .
ينشأ التناسب الوثيق بين الثروة والسلطة السياسية السياسيون الذين يكونون فقراء في بداية مسيرتهم المهنية ينضمون الى صفوف الأثرياء بعد مغادرة الوظيفة العامة، لكن هناك احتمال أكبر في أن يسعى الأشخاص الأغنياء مما يفعل بقية السكان .
يبدأ التناسب بين الثروة والسلطة الحقيقية ويصبح أكثر إحكاماً لأولئك الذين يملكون عشرات، أو ، مئات الملايين. يشمل الأشخاص في طبقة أصحاب الشركات والمديرين التنفيذيين للشركات الكبرى، الذين أرسوا سلطتهم على مئات آلاف الموظفين.
وعلى هذا يمكن ان نفهم لماذا لا نرى نخباً ثقافية أميركية بل نخباً مالية تحرك كل شيء، وهي مبنية على مقولة الغاية تبرر الوسيلة والجملة المشهورة ( دعه يعمل دعه يمر) .
ما يفسر ان السياسة الاميركية كلها تقوم على المصلحة فيما تجنيه وليس على القيم الإنسانية، ولا الى مد يد العون للشعوب التي تعمل من أجل كرامتها.
إنه اختلاف المفهوم، وهذا عائد لطبيعة وثقافة وقيم كل مجتمع.
#صحيفة_الثورة