من أغرب قصص الاحتيال زمن النظام البائد.. خفايا قضية الفساد بعقد مصنع زجاج الفلوت

الثورة – تحقيق هلال عون:

يقول خبراء الاقتصاد: “إن حل مشكلة المشاريع المتعثرة من أولويات النهوض الاقتصادي في بلدنا”. لذلك، وبناء على هذا الرأي ستخصص صحيفة الثورة هذا التحقيق الصحفي للحديث عن مشروع زجاج الفلوت، الذي يُعدّ أضخم معمل لصناعة الزجاج في المنطقة، بأحدث الطرق العالمية، (طريقة التعويم- الفلوت)، وبسماكة 2- 12 ميليمتراً، وبطاقة إنتاجية 108 آلاف طن سنوياً، وبمواد أولية موجودة في سوريا بكثرة، (الرمل السيليسي)، قال الخبراء الأجانب عنه: “إنه ذهب وليس رملاً”، وذلك بحسب مدير المكتب المشرف على المشروع الدكتور المهندس نديم مخيبر، وبحسب المدير السابق للمؤسسة العامة للصناعات الكيميائية الدكتور المهندس أسامة أبو فخر. وسنتطرّق للفساد الرهيب الذي أصاب هذا المشروع ومَنَع إنجازَه، وذلك لهدفين اثنين..الأول: تذكير الحكومة الجديدة والمستثمرين الصناعيين بهذا المشروع المهم قبيل البدء بإعادة إعمار بلدنا، لِما يحقق من أرباح، ولِما يوفّر من قطع أجنبي، في حال إكمال تنفيذه. الثاني: تسليط الضوء على قصة من أغرب قصص الفساد في عهد النظام المخلوع.

 

قصة هذا المعمل من القصص المحزنة، لِما فيها من فساد وسرقة للمال العام بشكل فاضح، ولكن بطريقة احترافية ومستترة، بحيث تَظهر النتائج القاتلة، من دون أن يطول القانون أبطالَ الفساد. باختصار: لقد تم توقيع العقد رقم 6 لعام 2008 لتنفيذ معمل زجاج الفلوت بدمشق بقيمة عقدية 53 مليون يورو، وبمدة تنفيذ 22 شهراً، تضاف إليها 4 أشهر لإزالة الموجودات، وذلك مع قبل شركة “لاسكو” الوسيطة، وشركة “ياهوا” الصينية المنفذة للمشروع، والمتضامنة والمتكافلة.

 

لاسكو.. شركة وهمية

هذا المشروع الكبير رسا على شركة “لاسكو” الوسيطة والمسجلة حديثاً في لبنان، والتي ليس لها أي خبرة في مجال صناعة الزجاج، ولا في أي مجال من مجالات الصناعة، بحسب رئيس المكتب الهندسي المشرف على تنفيذ المشروع د.م نديم مخيبر، وبحسب مدير عام مؤسسة الصناعات الكيميائية السابق د.م أسامة أبو فخر.

 

سرقة 21 مليون يورو

باشر المتعهد المنفذ (شركة لاسكو) عمله بتاريخ 25 / 1 / 2009، وكان يجب- بحسب العقد – أن يكون المعمل قد بدأ بالإنتاج بتاريخ 25 / 5 /2011، ولكن “لاسكو” وصلت ببناء المعمل إنشائياً إلى نسبة 52%، وورّدت حوالى 70% من آلات المعمل، ثم توقفت عن العمل وغادرت موقع المشروع بعد أن قبضت ثمن 98% من الآلات.. أي 13،316،975 يورو، زيادة على ثمن الآلات التي ورّدتها فعلياً إلى أرض المعمل، كما قبضت 7،920،381 يورو، مقابل أجور (التركيب والتدريب والتشغيل وخدمات الموقع) التي لم تقم بها لأن هذه الأعمال تتم بعد إنجاز المعمل، وبذلك يكون المتعهد قد قبض مبلغ 21،237،356 يورو زيادة عن مستحقاته، وبطريقة لم يعرفها نظام العقود عبر التاريخ.

وقد أكد مدير عام الصناعات الكيميائية الأسبق صالح الصالح أن 98% من قيمة الآلات تم صرفها للشركة المنفذة “لاسكو” وكانت المفاجأة- حين الكشف على الآلات، حيث تبيّن أنه لم يتم توريد سوى 65% منها.

هذا الكلام أكده أيضاً مدير شركة الزجاج الأسبق م. جهاد كرابيلي الذي قال: إن اللجنة التي تشرف على استلام الآلات هي لجنة مشتركة من المؤسسة وشركة الزجاج، أما الجهة التي اكتشفت الأمر، فهي المكتب الاستشاري الجديد، الذي يرأسه د.م نديم مخيبر.

 

أمور لا تُصدّق

أما كيف استطاعت الشركة الوسيطة “لاسكو” قبض أكثر من 21 مليون يورو ثمن آلات لم تقم بتوريدها، وأجور أعمال تركيب آلات لم تركّبها، وتدريب عمال لم تدرّبهم، فهذه رحلة شاقة في البحث والتحرّي، استطاعت ” الثورة” تفكيك أسرارها بالوثائق والشهود.. كل الارتكابات الفظيعة السابق ذكرها، تمت بسبب “فساد مقصود” في العقد الذي تم توقيعه من قبل لجنة تابعة لوزارة الصناعة مع شركة “لاسكو” الوسيطة، وشركة “ياهوا” الصينية المنفّذة، المتكافلة والمتضامنة لبناء المعمل، الأمر الذي ذهب بالمال العام إلى جيوب الفاسدين، وقتل مشروعاً استراتيجياً، وضيّع المليارات على الخزينة. وقد أكد لـ “الثورة” د.م أبو فخر أن قيمة خسائر فوات الإنتاج تزيد على 50 مليون دولار سنوياً.

 

العقد الفاسد

يقول العديد من مسؤولي وزارة الصناعة، منهم معاون وزير- طلب عدم الكشف عن اسمه، ومن بينهم مدير مؤسسة الصناعات الكيميائية د.م أسامة أبو فخر، وكذلك مدير المكتب الهندسي المشرف على تنفيذ المشروع، د.م نديم مخيبر، بالإضافة إلى مهندس من الأردن كان مستشاراً للمستثمر، ووقّع عنه عقداً في الصين- يقولون جميعهم: إن هناك خللاً في العقد الموقّع، وهو الذي تسبب بالنتائج الكارثية في التنفيذ، وخاصةً لجهة دفع أموال عن أعمال لم تتم، فقد تم إعداد العقد من قبل لجنة شكلت لهذه الغاية، وعُرض على لجنة تدقيق العقود في رئاسة مجلس الوزراء التي اقترحت المصادقة عليه، ورُفع إلى اللجنة الاقتصادية فتمت المصادقة عليه في جلستها رقم /7/ تاريخ 25/2/2008 واعتمدت التوصية من قبل رئيس مجلس الوزراء آنذاك.

 

عدة نقاط تجب الإشارة إليها، موجودة في العقد، هي التي شرّعت باب الفساد ونسفت المشروع، سأذكرها في ست نقاط بصيغة الاستفهام:

أولاً: من يصدّق أن وزارة الصناعة، ممثلة بالمؤسسة العامة للصناعات الكيميائية يمكن أن تتعاقد لبناء أضخم معمل لصناعة الزجاج بأحدث الطرق العالمية مع شركة لم تصنع شيئاً على الإطلاق، لا في مجال الزجاج ولا في غيره من المجالات!؟

ثانياً: من يصدّق أن هذه الوزارة، ممثّلة بالمؤسسة العامة للصناعات الكيميائية، دفعت لشركة “لاسكو” 13 مليون يورو ثمن آلات لم يتم توريدها!.فقد تم توريد 65 – 70% من الآلات، بينما تم دفع قيمة 98% من الآلات!

ثالثاً: من يصدّق أن الوزارة والمؤسسة قامتا بصرف مبلغ حوالى 8 ملايين يورو أجور تركيب آلات المعمل وتشغيلها وتدريب العمال عليها، رغم أن المعمل لم يقم أساساً، وذلك في حادثة لم يعرف تاريخ العقود مثيلاً لها في أي بلد من بلدان العالم!

رابعاً: من يصدّق أن تلك الآلات مازالت منذ أكثر من 15 عاماً ملقاة في أرض المعمل، وقد أكل بعضها الصدأ نتيجة عوامل الطقس، وغالباً أصبحت من جيل قديم بسبب التطور السريع في مجال الصناعة بعد أن كانت الأحدث حينذاك!.

خامساً: من يصدّق أن لجنة العقود الموفدة من وزارة الصناعة إلى الصين قد أسقطت بند الضمانات المالية من العقد الذي نظّمته مع شركة “ياهوا” الصينية المتضامنة والمتكافلة مع الشركة الوسيطة “لاسكو”، في حادثة لا مثيل لها على الإطلاق

سادساً: من يصدّق أن صيغة العقد أتاحت لشركة “لاسكو” سحب المليارات من الأموال عن أعمال لم تنفّذها؟!

 

بلا ضمانات مالية مع “ياهوا”

اكتفى العقد بكفالة قيمتها 5,4 ملايين يورو، وهناك توقيفات قيمتها 4,5 ملايين يورو، ولكن العقد أهمل بشكل كامل أي مسؤولية على شركة “ياهوا” المنفِّذة، المتكافلة والمتضامنة، في حال لم تف الشركة الوسيطة بالتزاماتها.

المدير السابق لمؤسسة الصناعات الكيميائية د. م أسامة أبو فخر لفت إلى الثغرات الواردة في العقد، كالسماح لشركة “لاسكو” بصرف أموال بالمليارات قبل تنفيذ الأعمال المطلوبة منها..

وعدم تحميل شركة “ياهوا” – رغم أنها متضامنة ومتكافلة مع “لاسكو”- أي مسؤولية لجهة إكمال المشروع!.

وزير الصناعة الأسبق أحمد الحمو قال: للأسف يبدو أن شركة “ياهوا” الصينية الحكومية تعاني من بعض المشكلات المالية والقانونية في بلدها.. لدرجة أننا سمعنا أنه تم الاستحواذ عليها من قبل شركة صينية أخرى!.

 

احتجاز الكفالة والتوقيفات

بعد أن قبضت “لاسكو” مبلغ 21 مليون يورو عن أعمال لم ينفذوها وثمن آلات لم يورّدوها، غادرت الشركة المنفذة “ياهوا” أرض المعمل، لكن الذي جرى بعد ذلك أن شركة “لاسكو” المرتبطة بمافيات الفساد، والواصلة إلى القصر الجمهوري حينذاك- كما ذكر محامٍ مطّلع- أقامت دعوى قضائية أمام القضاء الإداري وربحتها، لكن المؤسسة اعترضت على قرار المحكمة الإدارية، وما زالت الدعوى قائمة حتى الآن

ونترك للقضاء النزيه في العهد الجديد الحكم العادل.

 

توضيحات مهندس أردني

حول قضية الفساد هذه حدّثني، من الأردن، المهندس سليم جمال دواني، خريج جامعة لندن لسنة 1985 في تخصص هندسة الأنظمة الصناعية المتطورة، ومستشار صناعة الزجاج بطريقة التعويم “الفلوت”، الذي أخبرني بعض أسرار الفساد في العقد المذكور، فقال:

“كنتُ أقدم الخدمات الاستشارية والدراسات للمشروع للسيد (م.م.ن) الملقب بالدكتور، حيث رافقته لعدة سفرات للصين بخصوص المشروع”

 

مثال صارخ للفساد

المهندس دواني، يرى أن قضية المعمل تمثّل قضية فساد فاضحة جداً، ومثالاً صارخاً على الفساد المستشري والذي يستنزف مقدرات سوريا ومخصصات وزارة الصناعة، في وقت هي بأمس الحاجة لها

ويتابع: لقد قام (م.م.ن) بتسجيل شركة وهمية في لبنان خصيصاً لهذا المشروع باسم السيد (ب.س)، وهو ابن عمة (م.م.ن) وزوج شقيقته، والذي كان موظفاً لدى (م.م.ن) في شركته “النورس”، وأطلق على هذه الشركة اسم “لاسكو”..وقام أيضاً بتسجيل شركة أخرى في سوريا خصيصاً لهذا المشروع، أسماها “شياركو”..

وفي آخر زيارة معاً إلى الصين، قام بتوقيع عقد تجهيز ونصب المصنع مع شركة “China Triumph” بمدينة شنغهاي وشركة “Yaohua” بمدينة Qinhuangdao القريبة من بكين، حيث طلب مني أن أوقع العقد مع Yaohua نيابة عن شركة لاسكو، وفعلت هذا بعد تخويلي بالتوقيع نيابة عنه، وقد فسَّر لي ذلك بأنه يريد بدائل للدخول بالعطاء وبالشركة التي يراها لاحقاً أكفأ وأكثر تنافسية؛ دونما علمي بأنه يخطط للدخول بغطاءين منفصلين بالشركتين دون أي منافس آخر؛ واحد بشركة Yaohua باسم “لاسكو”، والآخر بشركة China Triumph باسم شياركو.

ويتابع دواني: علمت بهذا الأمر الخطير لاحقاً، ولكن بعد فوات الأوان.. لكني صُدمت عندما عرفت مؤخراً أن المشروع متوقف منذ سنة 2011 وأنهم لم يوفوا بالتزاماتهم العقدية برغم انفرادهم الحصري في دخول العطاء والاستحواذ عليه بسعر ما كانوا ليحصلوا عليه لو كان هنالك تنافس شريف، ولو مع طرف ثان على أقل تقدير!

وأضاف دواني: إن جميع الوثائق الأُصولية موجودة لديه، وهي التي تُثبت بشكل قاطع أن السيد (م.م.ن) هو المالك الفعلي والوحيد لما يُسمّى شركة “لاسكو”.

#صحيفة_الثورة

آخر الأخبار
Anadolu Agenci : فورد: يجب على أميركا أن تسحب قواتها العسكرية من سوريا دوري أبطال أوروبا.. الكبار يقطعون نصف المشوار بنجاح "باب سريجة".. انخفاض في المبيعات على الرغم من الحركة الكثيفة مجلس الأمن الدولي: محاولات إقامة "سلطة حكم موازية" في السودان أمر خطير أبناؤنا واللامبالاة.. المرشدة النفسية السليمان لـ"الثورة": ضبط سلوكهم وتحمل المسؤولية منذ الصغر محافظ اللاذقية يتفقد فرع الهجرة والجوازات وأمانة السجل المدني اشتباكات مع المجموعات المسلحة الخارجة عن القانون في الصنمين بعد رفضها تسليم عناصرها تنظيم حركة المركبات والدراجات في حمص ارتفاع حصيلة الضحايا في الصنمين إلى خمس انطلاق سوق "رمضان الخير" في دمشق لتوفير المنتجات بأسعار مخفضة المعتقل صفراوي عالج جراح رفاقه في سجن صيدنايا وأنقذ الكثيرين "حركة بلا بركة" تفقد واقع عمل مديريات "التجارة الداخلية" في اللاذقية خسارة ثالثة على التوالي لميلان تكثيف الرقابة التموينية بطرطوس.. ومعارض بأسعار مخفضة برشلونة يستعيد صدارة الليغا باحث اقتصادي لـ"الثورة": لا نملك صناعة حقيقية وأولوية النهوض للتكنولوجيا شغل (الحرامات).. مبادرة لمجموعة (سما) تحويل المخلفات إلى ذهب زراعي.. الزراعة العضوية مبادرة فردية ناجحة دين ودنيا.. الشيخ العباس لـ"الثورة": الكفالة حسب حاجة المكفول