هفاف ميهوب:
من المعروف عن الشّاعر التشيلي “بابلو نيرودا”، حديثه الدائم عن بلدهِ، وافتخاره بانتمائهِ إليه مع إيمانه وقناعته، بأن على الإنسان أن يعيش في وطنه، وبأن اجتثاثه من جذوره يُصيبه بالخيبةِ والإحباط، اللذين يُعكِّران وضوح روحه ونفسه، بهذا آمن “نيرودا” الذي كان يشعر، أن عليه محاكاةِ كلّ ما في وطنه.. غاباته وسهوله وجباله وصخوره وأنهاره، وكلّ الأشياءِ الصامتة التي كان يخاطبها لتسمعه: “أنا لا أستطيع العيش إلا في أرضي، ولا أستطيع الحياة دون أن أضع يديّ وقدميّ في تربتها، ولا أستطيع التنفّس إن لم أحسّ بدورانِ مياهها وظلالها، ولا أستطيع النموّ دون أن أشعر بجذوري، وهي تبحثُ في الحمأةِ عن الذاتِ الأم، عن الجوهرِ الأصيل والأصلي”.. حتماً، جميعنا نعرف مقدار ارتباط “نيرودا” بوطنه، ونعرف بأن ما حمله من عشقٍ لأبنائه وتحديداً فقراءه، هو ما جعله الشّاعر الأشهر والأحبّ بالنسبة لهم، بل والأكثر تأثيراً عليهم، شاعرٌ آخر عشقَ وطنه وافتخرَ به وبانتمائهِ إليه، “رسول حمزاتوف” الذي تخطّت شهرته بلاده، فباتت تُعرف من خلاله، فقد كان سفيرها إلى العالم، ومن المعروف عنه، بأنه كان قد دوّن سيرته وتأملاته العاشقة لهذه البلاد، في كتابه الشهير “داغستان بلدي”.
الكتاب الذي كتبه بجوارحه، والذي كان يعتبره أعظم أوسمته وجوائزه ولغته: “داغستان، يا ملحمتي.. كيفَ لي ألا أصلّي من أجلك.. ألا أحبّك ؟!..وهل يمكنني أن أطير بعيداً، عن سربِ الغرانيقِ في سمائكِ؟..كلُّ ما أعطاهُ الناسُ لي، أتقاسمهُ، بالعدلِ معكِ، أوسمتي وجوائزي، سأعلّقها على قِممك”.
رغم كلّ ما ذكرناه، عن حبّ ومحاكاةِ كلّ من الشاعرين “نيرودا” و”حمزاتوف” لوطنيهما، وحتماً هناك الكثير من المبدعين الذين عشقوا أوطانهم وحاكوها محاكاتهما.. رغم كل ما ذكرناه، إلا أننا نؤكّد ليس بالشّعرِ وحدهُ نحبّ ونحاكي الأوطان، فكلّ منّا يحاكي وطنهُ بطريقتهِ.. بالأدب والفنّ والعلمِ والبحثِ والحكمة، مثلما بالمحبَة والإنسانيّة والتسامح والرحمة..
#صحيفة_الثورة