حسين صقر:
تقوم القيامة ولالأحد عليك ديناً، والله سبحانه يفي عن المؤمن ما كان عليه، بالمقابل لا بدّ أن القصاص سوف يقع على الظالم وآكل الحقوق ولو بعد حين، والظالم لن يدوم على ظلمه، وما شهدناه في حكم الطغاة خيردليل، لأن الله عز وجل، يمهل ولا يهمل.ولكن إذا أخذ المظلوم بحقه في الدنيا، فدعا على الظالم بقدرمظلمته، واستجاب الله دعاءه فيه، فقد اقتص لنفسه قبل أن يموت، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ: “واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب”.
وعن إعادة الحقوق لأصحابها ومن تجاربهم، التقت صحيفة الثورة بعض الأشخاص الذين أُكلت حقوقهم، وبعضاً ممن اعترفوا بأنهم أكلوا حقوق الآخرين، وطلبوا الصفح والسماح.وقال الشاب مهدي محمد، وهو في الثلاثين من عمره: إنه في بداية فترة شبابه أو طيشه، تورط في عملية سرقة، مع بعض الأشخاص الذين أغروه بعملية سطو على أحد المنازل بعد غياب أصحابها، وفعلاً نفذنا العملية وتقاسمنا المال، ولأن المال الحرام زائل، أيقنت خطأي، وقد عاهدت الله بالتوبة والصلاح، وعند توبتي رزقني الله بجزء يسيرمن المال لأقضي حاجاتي به، ولكن ارتفعت بداخلي صيحة التوبة متسائلاً، في هذه الحالة أيهما أفعل أولاً، أأتزوج أم أرد المبلغ، مع العلم أن المبلغ المتوفر بسيط، ولا يكفي لتقسيمه، وأن فرصة وجود مسكن للزوجية قد تزول إذا لم أسرع بأخذ هذا المسكن، وبالتالي فهي خسارة مادية كبيرة أيضاً.وفي رد أحد الشيوخ عما فعلته، قال، بعد الصلاة والسلام على رسول الله وعلى صحبه أجمعين: إن السرقة جريمة عظيمة وجناية قبيحة، ولهذا شدد الإسلام في تحريمها كما شدد في عقوبتها، فقال تعالى في سورة المائدة: “والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاءً بما كسبا نكالاً من الله”، وبالتالي لا تتم توبة العبد منها إلا إذا ردها إلى صاحبها.وأضاف الشيخ: انتبه مما يدور بداخلك عن قلة المبلغ أو فرصة السكن أو ما أشبه ذلك، فإن الله تعالى يبارك لك فيما بقي في يدك من الحلال.وبالتالي ذهبت إلى أصحاب المنزل واعترفت لهم بارتكاب جرم السرقة، ولأن هؤلاء شعروا بأن توبتي صادقة، قبلوا اعترافي ووعدتهم أن أقنع الآخرين ممن كانوا معي بإعادة المسروقات.إن حقوق الناس خط أحمربدوره قال حسن الحداد، وهو في الخامسة والأربعين من عمره: لأن حقوق الناس أمرعظيم، ولابدّ من المسارعة بأدائها قبل فوات الأوان أو قبل أن يداهم الموت العبد فيندم حيث لا ينفعه الندم.. اختلفت مع شريك لي بتجارة، وطمعت عليه، ولكن التقيت صديقاً لي وسألني عما حصل بيني وبين شريكي وأخبرته، وقال: أنصحك بأداء الحقوق إلى شريكك، وأن الله سبحانه لن يعسرعليك أمراً، ولن ينغص حياتك، فإذا تخلصت مما طمعت به تيسرت لك الأمور كما قال الله تعالى: “ومن يتق الله يجعل له من أمره يسراً”.وأضاف: أتمنى ألا يوسوس لك الشيطان، أو يلبس عليك بأن المبلغ بات في جيبك ولا ترد.
حقوقي عادتيمان بركات، معلم في الخامسة والأربعين من عمره، قال: كان لي دين عند شخص، وكان قدهدد بألا يعيده، وفجأة في إحدى الليالي التي كنت حائراً فيها من أين أتدبر أموري وأقضي حاجاتي، ولكن لم تنته السهرة حتى طرق الباب، وكانت المفاجأة بأن المدين جاء معتذراً، وهو يقول: اسمح لي بالدخول، وعندما دخل وجلسنا أبدى اعتذاره وأخرج المال من حقيبة صغيرة في يده، وأعطاني إياه، وفوق ذلك حسب المبلغ حسب سعرالصرف الذي كان في تلك الليلة.
فتاوى في إعادة الحقوق
وفي هذا السياق قال الشيخ مصطفى كرموت جوراني: الواجب على من تاب وعجزعن رد حقوق الناس، وقال: يؤتى بالتائب يوم القيامة معه خصومه، فيقال لهم: خلوا عنه فإن الله تعالى يعوضكم.وأكد إذا تاب شخص بصدق ويريد رد المظالم سواء المالية وغيرها، ولم يستطع لسبب أو لآخر، فإن الله يردها عنه ولا يعذبه أبداً لا في القبرولا في الآخرة.
وأضاف جوراني، فالتوبة هي الرجوع إلى الله تعالى من المعصية إلى الطاعة، وإرجاع الحقوق إلى أهلها، ويجب أن نَعلم أن التوبة واجبة على كلّ مسلم.وبيّن جوراني: أما الحقوق المادية فلا تكفي التوبة بينه وبين ربه ولا يكفي معها الدعاء له، بل يجب إرجاع هذه الحقوق المادية لأصحابها، فإن لم يجدهم ردها لورثتهم، وإن عجزعن إرجاعها لعدم معرفته بصاحب هذه الحقوق فليتصدق بها عنه، وإن كان عجزه لفقرٍ فيُرجى- إن كانت توبته صادقة أن يؤدي الله تعالى، ويرضي صاحب الحق، وإن شاء الله ذلك لم يعاقبه لا في القبر ولا في الآخرة.وأما مع عدم التوبة، فإن الله تعالى يعطي صاحب الحق من حسنات المعتدي، فإن فنيت حسناته أُخذ من سيئات المظلوم وألقيت على المعتدي، وهذا هو الإفلاس الحقيقي، مع ما قد يعاقبه الله تعالى به بسبب تعديه على الشرع.