الإدارة المحلية في سوريا.. رؤى جديدة للتنمية”الأمن المحلّي والتّماسك الوطني” في دائرة الحوار المجتمعي
الثورة – لينا شلهوب ومريم إبراهيم:
“الأمن المحلي والتماسك الوطني”، عنوان عريض للجلسة الحوارية التي أقامتها حركة البناء الوطني في دمشق، والذي يركّز على دور المجتمعات المحلية في تنمية المجتمع، وذلك بمشاركة عدد من الباحثين والخبراء في مجالات العمل المختلفة، وناقش المشاركون التحديات الراهنة في سوريا، وسبل تحقيق الاستقرار، وتعزيز وحدة المجتمعات المحلية، ومنع البلاد من الانزلاق إلى العنف والتقسيم.
بلورة سياسات
تم خلال الجلسة إطلاق دراسة أعدتها حركة البناء بعنوان: “الإدارة المحلية وسياساتها المأمولة في تحقيق الاستقرار والتعافي” وتناولت آليات تطوير منظومة إدارة المجتمعات المحلية، وتوصلت إلى العديد من المخرجات والتوصيات العملية، فيما ناقشت الرؤى الواقعية التي تسهم بالحد من مظاهر العنف والانقسامات، والدفع باتجاه نموذج حوكمة يعزز التماسك الوطني، بالاستفادة من توصيات الدراسة، ويأتي ذلك من أجل بلورة سياسات أكثر فاعلية لمستقبل سوريا.
كما ركزت توصيات الدراسة على ضرورة تبني موازنة تقوم على الأداء الفاعل، والتقليل من الإجراءات البيروقراطية، والموافقة المرتبطة بها، وإصلاح أنظمة الرقابة المالية، مع العمل على تعزيز ثقة المواطنين بالمجالس المحلية، بما يحد من الفساد ويعزز من شرعيتها، ناهيك بضرورة وجود منصات إلكترونية تفاعلية لمتابعة تقييم أداء المجالس، وحماية الصحفيين، وتفعيل الإعلام المحلي، ليكون مرآة عمل حقيقية، إضافة إلى دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وخلق فرص عمل، كما شددت التوصيات على ضرورة تنظيم برامج تدريبية لريادة الأعمال، وتقديم تسهيلات للمغتربين لدعم المجتمعات، وإطلاق صناديق تمويل محلية، ناهيك بمنصات إلكترونية تخدم عمل المجالس المحلية في جوانبها كلها.
إيجاد استراتيجيات
من جهته مدير قسم الأبحاث بحركة البناء، معدّ دراسة السياسات المحلية وسياسات التعافي سامر ضاحي، بيّن أن سوريا خرجت من مرحلة الإغاثة إلى التعافي المبكر، للتوجّه نحو الانتعاش الذي يعد المرحلة الثالثة، وهذا يتطلب حل المشكلات السابقة، مضيفاً: إن الدراسة أتت من قراءة طويلة للواقع لتاريخ سوريا، وما تخللها من نزاعات وتوترات دائمة الحضور والوجود، ما أدى إلى إدخال المجتمعات بمشكلات متعددة، أفضت إلى تطورها على المستوى الوطني وأحدثت العوائق والقلق الدائم.
من هنا كان لابد من السعي لإيجاد استراتيجيات عامة “للمحليات”، في مجتمعات تدير نفسها بما لا يتعارض مع التوجهات الوطنية، وبما لا ينسف مصالحها المحلية، على أن يكتنف هذه المجتمعات سلم أهلي، كي لا تنزلق للعنف والتوتر والخلافات السياسية.
تفعيل أدوار
كانت الجلسة غنية بالحوارات والمداخلات التي ركزت على مضمون ما يتعلق بعنوانها، سياسياً واقتصادياً ومجتمعياً، ودور المجالس المحلية في هذه الفترة الراهنة، كذلك تم التأكيد على ضرورة وجود خطة عملية جاهزة للتطبيق بشأن تفعيل أدوار المجالس، وكيفية تحقيق التعاون بين المركز والأطراف، وضرورة إشراك المجتمع في عملية الاستقرار والتعافي.وجاءت الجلسة بهذا السياق، بغية استرجاع البوصلة الأساسية والعمل لتحقيق الأمن المجتمعي، عبر العودة إلى المحليات، لإيجاد السبل التي من شأنها أن تعيد بناء حالة جديدة، تمكّن من الانتقال من مرحلة الفوضى العبثية إلى مرحلة إعادة تنظيم وتموضع محلي لتحقيق الأمن المجتمعي، ومن ثم التماسك الوطني، مع التأكيد على أهمية وجود مشروع تنموي وخطة عمل للقطاع الخاص يدعم في مشاريعها، خاصة مع وجود شح في الموارد.
الاجتماعي قبل الاقتصادي
الباحث في علم الاجتماع الدكتور أكرم القش، أكد أن المعضلة الأساسية تكمن في الفشل التنموي، وأن المدخل الأساسي ينطلق من العمل على تنمية المجتمعات المحلية، وعدم إغفال دور المركز في إتاحة فرصة للمجتمع ليعمل على تنمية ذاته، والحل يأتي من إعادة تعافي المجتمع، لأن الهم الأكبر بات في تعافي النسيج الاجتماعي قبل الاقتصادي، إذ إنّ هناك بوادر ظهور للتفكك على مستوى الأسرة والأفراد، إذاً لابد من بناء المجتمع، وتحقيق الرضا المجتمعي.
الباحث الاقتصادي الدكتور أيهم أسد، لفت إلى أن التنمية المحلية والتخطيط المحلي في الوقت الحالي تعد حالة هشة، ويظهر ذلك بوجود اقتصاد متهالك، ومجتمع مغيّب، فوجود التنمية المحلية يؤدي إلى السلام المجتمعي، عبر دمج البشر كمنظومة مصالح اقتصادية، وهذا حالياً غير مهيأ، ويعود ذلك لأن الموارد المحلية غير مفعّلة، وكذلك القطاع الخاص، والمجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية مقيدة، لذا لابد من العودة إلى قانون الإدارة المحلية رقم 107 وإعطاء الصلاحيات للمحليات، وتعديل الأنظمة المالية.
رئيس حركة البناء أنس جودة أشار إلى أهمية العمل من جميع الجوانب للوصول إلى نوع من الاستقرار في الظروف الحالية، إذ تبرز الحاجة لتعزيز “المحليات” لأن التنمية المحلية ليست صراعاً، بل لابد من أن نتبناها كمسار.
10آلاف مشارك
يذكر أن حركة البناء خلال الـ 10 سنوات الماضية منذ تأسيسها، كانت لها الكثير من البصمات في العمل عبر الجلسات المحلية والورشات المعرفية والتعريفية والتمكينية، والعديد من اللقاءات والحوارات المحلية والمركزية، بمشاركة شرائح مجتمعية مختلفة شكّلت جزءاً من منظومة العمل، حيث وصل عدد المشاركين فيها إلى 10 آلاف مشارك.
واليوم المسؤولية المجتمعية تقع على عاتق الجميع، ولابد من إعادة النظر بالسياسات في الإدارة المحلية ضمن السياق السوري الجديد، وطرح هذا البحث ليكون عنواناً لمرحلة قادمة.