الثورة – ترجمة هبه علي:
أدى انهيار نظام بشار الأسد في كانون الأول 2024 إلى بدء انتقال سياسي جيلي في سوريا، ومع ذلك، وبينما تعمل البلاد على إعادة الإعمار والتعافي بعد قرابة 14 عاماً من الصراع الدامي، تبدو إسرائيل عازمة على عرقلة انتقال سوريا، وسلامتها الإقليمية واستمراريتها، وسيادتها الأساسية، بشكل خبيث.
في الواقع، تضغط إسرائيل على سوريا اليوم بذريعة حماية الأقليات في البلاد، ويمثل هذا الجهد امتدادا لاستراتيجيتي “مبدأ المحيط” و”تحالف الأقليات” الإسرائيليتين، واللتين لطالما شكلتا عنصرين أساسيين في جهود إسرائيل الإقليمية الأوسع لتعزيز أمنها من خلال تحالفات مع أعداء مشتركين محتملين، وبالتالي، تهدف “تل أبيب” إلى استغلال مخاوف الأقليات، سواءً كانت حقيقية أو متصورة، في سوريا لتبرير انتهاكاتها الواضحة لسيادة جارتها الشمالية، وتعزيز مصالحها الأمنية الشاملة، وتُنذر هذه الجهود بإعادة إشعال الصراع الأهلي في سوريا، وينبغي للمجتمع الدولي رفضها.
بعد أقل من يوم واحد من انهيار نظام الأسد في كانون الأول، سارعت إسرائيل إلى تأمين مصالحها داخل سوريا، سيطر جنود “جيش الدفاع الإسرائيلي” على الجانب السوري من منطقة فصل القوات على طول الحدود الإسرائيلية السورية المتنازع عليها، والتي تفصل مرتفعات الجولان المحتلة بشكل غير قانوني عن باقي الأراضي السورية، ومنذ ذلك الحين، سيطرت إسرائيل على العديد من البلدات في محافظة القنيطرة جنوب غرب سوريا، ثاني أصغر محافظة في البلاد، والتي تضم مرتفعات الجولان، واحتلتها بشكل غير قانوني.
يُلغي هذا التهديد فعلياً أي شعور بالسيادة السورية، ويوسع نطاق الاستثناء الإسرائيلي من القانون الدولي ليشمل سوريا على بُعد أميال قليلة من العاصمة دمشق، وقد صعّد المسؤولون الإسرائيليون التوترات العرقية والطائفية في جميع أنحاء البلاد لتعزيز هذه التهديدات، مدّعين دور إسرائيل المزعوم في حماية الأقليات في سوريا – بما في ذلك العلويون والأكراد والدروز والمسيحيون.
في نهاية المطاف، تهدف جهود إسرائيل في مرحلة ما بعد الأسد إلى فرض وقائع على الأرض تخدم مصالحها الحالية والمستقبلية، تتوقع “تل أبيب” شكلاً من أشكال المفاوضات مع دمشق يُحدد العلاقات بين الدولتين لأجيال في حال نجاح المرحلة الانتقالية، لذا، تجمع الحكومة الإسرائيلية أكبر قدر ممكن من أوراق التفاوض استعداداً للمحادثات المحتملة.
باختصار، هذا النهج خطير، يبدو أن إسرائيل مستعدة لإثارة صراعات عرقية طائفية داخل سوريا لضمان فشل العملية الانتقالية في إنتاج دولة سورية مترابطة جغرافيا، وهي تفعل ذلك من خلال استغلال مخاوف الأقليات في بلد استخدم فيه النظام السابق الطائفية لزرع انعدام الثقة بين سكانه، في استراتيجية فرّق تسد استبدادية كلاسيكية، ما أدى إلى تدمير النسيج الاجتماعي السوري.
من المرجح أن تأمل إسرائيل في استخدام هذا الضغط لحمل دمشق على تقديم سلسلة من التنازلات تحت طائلة انهيار الدولة، مما قد يؤدي إلى بلقنة سوريا، في هذا السياق، يتمثل الهدف في منع أي تهديد جدي للمصالح الإسرائيلية أو أراضيها من داخل سوريا، وبالتالي، قد تأمل “تل أبيب” في طرح الاعتراف الكامل كبديل- وهو بند كان الأسد يتفاوض عليه سابقاً إلى جانب الانفصال عن إيران مقابل تخفيف العقوبات وقبول غربي عام بانتصاره في الحرب.
بما أن هذا النصر المزعوم لم يكن حقيقيا على الإطلاق، فإن إسرائيل تأمل في الحصول على نفس النتيجة أو نتيجة مماثلة من حكام سوريا الجدد تحت تهديد السلاح، على الأقل يأملون على الأرجح في اعتراف سوريا بمطالبة إسرائيل بهضبة الجولان، كلا الهدفين غير قابلين للتطبيق بالنسبة لدمشق، التي لن تجرؤ على المخاطرة بشرعيتها المحدودة خلال فترة انتقالية شديدة عدم الاستقرار بالاعتراف بإسرائيل أو باحتلالها غير الشرعي وضم أراضيها.
من المؤكد أن واشنطن قدمت سابقا عروضا لم يستطع نظراؤهم رفضها خلال الولاية الأولى للرئيس الأمريكي دونالد ترامب – وهو جهدٌ أدى إلى اتفاقيات أبراهام سيئة السمعة، حصل المغرب على اعتراف أمريكي بسيادته على الصحراء الغربية؛ ورُفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب؛ وحصلت الإمارات العربية المتحدة على العديد من الصفقات التفضيلية، ليس من المستبعد افتراض أن واشنطن قد تدعم الجهود الإسرائيلية لإحداث “سلام” زائف بين سوريا وإسرائيل، لا سيما بالنظر إلى إدراج سوريا على قائمة الدول الراعية للإرهاب منذ عام ١٩٧٩.
في نهاية المطاف، ينبغي على جميع الدول دعم الانتقال السياسي في سوريا، نظراً لموقعها الجغرافي كـ”قلب الشرق الأوسط”، واحتراماً لصمود شعبها وتطلعاته الديمقراطية بعد 14 عاماً من الحرب، ينبغي أن يكون منع السياسات غير المفيدة وقصيرة النظر التي تضر بهذا الانتقال أمراً محوريا لأي جهة فاعلة في سوريا اليوم، إن مساومة أمن سوريا على أحد جيرانها لن تُسفر إلا عن المزيد من عدم الاستقرار الذي عصف بالشرق الأوسط لعقود – وهو سيناريو لا ينبغي لأي إدارة في واشنطن أن تروج له أو تقبله كمُقدّر مسبقاً.
المصدر- Center For International Policy