الثورة – ناصر منذر:
جاءت القمة الخماسية التي استضافتها فرنسا عبر “تقنية الفيديو” أمس، وجمعـت كلاً من السيد الرئيس أحمد الشرع، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والرئيس اللبناني جوزاف عون، والرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليدس، ورئيس وزراء اليونان كيرياكوس ميتسوتاكيس، لتعزز مكانة سوريا الجديدة، وحضورها الإقليمي والدولي، بعد سنوات من العزلة الدولية، التي سببتها سياسات النظام المخلوع، وأفرزت تداعيات سياسية واقتصادية كارثية، دفع ثمنها الشعب السوري من أمنه واستقراره.
وبحسب رئاسة الجمهورية العربية السورية في قناتها عبر تلغرام، فإن القمة شهدت مناقشات هامة حول مجموعة من القضايا الإقليمية والدولية التي تمس الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وتناولت العديد من المواضيع الحساسة التي تؤثر على العلاقات بين الدول الخمس، وعلى رأسها المصالح المشتركة، وأمن الحدود والمخاطر المشتركة، ومكافحة الإرهاب والتعاون الإقليمي، والانتهاكات الإسرائيلية، ورفع العقوبات الاقتصادية.
ترسيخ الشراكات الاستراتيجية
المشاركة السورية في القمة، ممثلة بالرئيس الشرع، هي استكمال لنهج السياسة السورية البناءة والمسؤولة، والرامية لتعزيز وترسيخ الشراكات الاستراتيجية مع دول العالم، وتوضيح رؤيتها السياسية إزاء التعاون البناء مع مختلف الدول على قاعدة الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، بما يحافظ على المصالح الوطنية العليا، ويساهم في تحقيق وتعزيز الاستقرار الإقليمي والدولي، الأمر الذي من شأنه وضع سوريا في مصاف الدول المتقدمة، بما يعكس تاريخها الحضاري.
ماكرون: المحادثة مع الشرع إيجابية
الرئيس الفرنسي، وعقب انتهاء القمة الخماسية، قال في مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس اللبناني، أن المحادثة مع نظيره الشرع كانت إيجابية، وأنه مستعد لاستقباله إذا أبدت الحكومة السورية انفتاحاً على المجتمع المدني برمته والتزمت ضمان الأمن لعودة اللاجئين السوريين.
وبحسب “اندبندنت عربية”، قال ماكرون: “إن حكومة تأخذ كل مكونات المجتمع المدني السوري في الاعتبار، إضافة إلى مكافحة واضحة وحازمة للإرهاب وعودة اللاجئين، هي ثلاثة عناصر تشكل أساساً للحكم على المرحلة الانتقالية”. مضيفاً: “بحسب تطورات الأسابيع المقبلة، نحن مستعدون تماماً لمواصلة هذا الحوار واستقبال الرئيس السوري. الأسابيع المقبلة ستكون حاسمة للتأكد من ذلك”.
شروط غير مبررة
وبحال وضعنا مطالب ماكرون الثلاثة بخانة “الشروط” التي يتوجب على القيادة السورية تنفيذها، مقابل استقبال الشرع في قصر الإليزييه، فإننا ندرك بأن الرئيس الفرنسي وإدارته على يقين تام، بما تتخذه الحكومة السورية من إجراءات فاعلة على صعيد عودة اللاجئين، ومكافحة الإرهاب، وضمان مشاركة مختلف شرائح الشعب السوري في الحكومة الانتقالية، وإنما هذه “المطالب أو الشروط”، لا تعدو كونها امتداداً لسياسة الضغوط الغربية غير المبررة تجاه سوريا، والتي من المفترض أن يتم منحها الفرصة الكافية لاستكمال عملية تعافيها السياسي والاقتصادي وفق مصلحتها الوطنية العليا في المقام الأول، بعيداً عن أي تدخلات خارجية، وعلى المجتمع الدولي تقديم كل العون والمساعدة في هذا الشأن، ولو لم يكن الجانب الفرنسي مدركاً بأن القيادة الجديدة تتخذ الخطوات الصحيحة، لما وجه الدعوة لسوريا للمشاركة في القمة الخماسية. علماً أن فرنسا لها كل المصلحة في إعادة نسج علاقات التعاون مع سوريا، بما يعود بالنفع على مصالح كلا البلدين.
مناقشات موسعة
وبالعودة إلى القمة الخماسية، فهي كانت قد بدأت بمناقشات موسعة حول أمن الحدود بين الدول المشاركة مع التركيز على المخاطر المشتركة التي تهدد المنطقة، خاصة من الميليشيات المسلحة والنزاعات الحدودية التي تتأثر بها جميع الأطراف، وتم التأكيد على أهمية تعزيز التعاون الأمني بين الدول المعنية لضمان أمن الحدود المشتركة. وفق ما ذكرته رئاسة الجمهورية في قناتها على تليغرام.
إسرائيل تهدد السلام والأمن
وفي هذا السياق أكد الرئيس الشرع خلال القمة على أن سوريا تواجه تحديات أمنية كبيرة علــى حدودها الجنوبية، مشيراً إلى أن الوجود الإسرائيلي في الأراضي السورية يمثل تهديداً مستمراً للسلام والأمن الإقليمي.
وشدد الشرع على أن الموقف السوري ثابت في رفض هــذه الاعتداءات الإسرائيلية، وأكــــد أن سوريا ستواصل الدفاع عن حقوقها الثابتة، وأن الدعم العربي والدولي لم يعد خياراً بل ضرورة.
وقد أكد الزعماء في القمة ضرورة إدانة الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة على الأراضي السورية.
وفيما أشار الرئيس اللبناني جوزاف عون إلى أهمية تكثيف التنسيق الأمني بين سوريا ولبنان لمواجهة المخاطر المشتركة، أكدت اليونان وقبرص ضرورة دعم الجهود السورية في مكافحة الإرهاب على الحدود.
رفع العقوبات حاجة ملحة
كذلك، كانت قضية رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا أحد المواضيــع المحورية في القمة، وقد دعا الشرع إلى ضرورة رفع العقوبات الاقتصادية التي تفرضها الدول الغربية على سوريا، مشيراً إلى الأثر المدمر لهذه العقوبات على الاقتصاد السوري ورفاهية الشعب.
وشدد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من جانبه، على أن رفع العقوبات بات حاجة ملحة لتحقيق مزيد من التقدم السياسي داخل سوريا، كما أبدى استعداده لمناقشة بعض الآليات التي يمكن من خلالها تخفيف بعض القيود الاقتصادية في إطار دعم الاستقرار في المنطقة.
كما أكد الرئيس اللبناني على أهمية رفع العقوبات عن سوريا من أجل تعزيز الاستقرار في لبنان والمنطقة ككل، وتمكين عودة اللاجئين، في حين قالت قبرص واليونان إن رفع العقوبات هـــو خطوة ضرورية لدعم التعاون الإقليمي الاقتصادي.
تعزيز التعاون الإقليمي
وتضمنت المناقشات أيضًا جوانب متعلقة بالمصالح المشتركة بين الدول المشاركة، واتفق الزعماء على تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري، وخصوصاً في مجالات الطاقة والنقل. وأكد رئيس وزراء اليونان ميتسوتاكيس أهمية تعزيز التعاون بين دول البحر الأبيض المتوسط وخاصة في مجال مكافحة الهجرة غير الشرعية، مشيراً إلى أن اليونان مستعدة للمساهمة في مشروعات الطاقة في سوريا ومنطقة الشرق الأوسط. فيما أكدت قبرص ضرورة تفعيل التعاون المشترك في ذات المجال، وتمكين المحاسبة والعدالة الانتقالية وقانون البحار ودعم برنامج طموح لسوريا واحترام سيادتها.
مكافحة الإرهاب
كما اتفق الزعماء الخمسة على أن التعاون الإقليمي في مجال مكافحة الإرهاب يعد أمرًا بالغ الأهمية، مع التأكيد على ضرورة تعزيز التنسيق الاستخباراتي بين الدول المشاركة لمكافحة المنظمات الإرهابية. مشددين على أن الدعم العسكري واللوجستي يجب أن يتواصل لمساعدة الدول المتضررة من الإرهاب، مع التأكيد على ضرورة العمل على إعادة تأهيل المناطق المتأثرة وتحقيق الاستقرار في سوريا وعلى حدودها.
دعم الإدارة السورية
وخلال القمة، أجمع المشاركون على دعم الإدارة السورية الجادة في الإصلاحات السياسية والاقتصادية، وأشار الرئيس الشرع إلى أن سوريا قد بدأت خطوات حقيقية نحو الإصلاحات على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتعمل على بناء دولة مستقرة وقوية رغم التحديات التي تواجهها. من جانبها، دعمت الدول المشاركة في القمة جهود الحكومة السورية لتنفيذ الإصلاحات، وشددوا على ضرورة أن تكون هناك خطوات عملية في مجال حقوق الإنسان وتحقيق التقدم السياسي.
وأبدى الرئيس اللبناني دعمه الكامل للجهود السورية في إعادة الإعمار والإصلاح السياسي، مشيراً إلى أن لبنان يعاني أيضاً من تأثيرات الحرب ويؤمن أن التعاون مع سوريا هو الطريق الوحيد لتجاوز التحديات الإقليمية.
وفي ختام القمة، تم التوافق على تأسيس علاقة جدية ومستقرة في سوريا الجديدة، وحشد الدعم الدولي وما نتج عن مؤتمر بروكسل لدعم جهود إعادة الإعمار، وكل ما يمكن أن يساهم في استعادة الاستقرار الإقليمي ودعم الجهود السورية في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية.