ضياء قدور كاتب وصحفي سوري
أعاد الخبر الأخير الصادر عن وزارة الداخلية السورية، والذي تحدث عن إطلاق حملة أمنية استهدفت خلايا تابعة لحزب الله اللبناني في منطقة السيدة زينب بريف دمشق، التدخلات الإيرانية في سوريا إلى صدارة الأحداث. ووفقًا لما نشرته مديرية أمن ريف دمشق عبر منصة “إكس” يوم الخميس، كانت هذه الخلايا تخطط لتنفيذ عمليات إجرامية في المنطقة، حيث تم اعتقال عدد من أفرادها ضمن جهود مستمرة لتعزيز الأمن والاستقرار. ونشرت وسائل الإعلام السورية صورًا تظهر عناصر الأمن أثناء القبض على ثلاثة أشخاص خلال الحملة. يأتي ذلك بعد أيام من اتهام وزارة الدفاع السورية عناصر حزب الله بالتسلل إلى الأراضي السورية واختطاف ثلاثة جنود من الجيش الجديد وقتلهم.
تكشف هذه التطورات مرة أخرى عن تعقيدات تدخل النظام الإيراني في سوريا، والذي استمر منذ بداية الثورة السورية في عام 2011 بأشكال مباشرة وغير مباشرة. لطالما اعتبرت إيران سوريا جزءًا من “محور المقاومة” ضد إسرائيل وجسرًا حيويًا للتواصل مع حزب الله في لبنان. يعود هذا المنظور الاستراتيجي إلى العلاقات التاريخية بين البلدين، والتي بدأت قبل ثورة 1979، عندما قدم محمد رضا بهلوي مساعدات بقيمة 300 مليون دولار لحافظ الأسد في عام 1975. لكن بعد الثورة، تحولت هذه العلاقة إلى تحالف عسكري وسياسي عميق، تجلى في حرب إيران والعراق ثم في الأزمة السورية.
التدخل غير المباشر عبر حزب الله والميليشيات
يعد الدعم الذي تقدمه إيران لحزب الله اللبناني والميليشيات التابعة له في سوريا من أبرز أشكال التدخل غير المباشر. فحزب الله، الذي يُعتبر الذراع العسكرية لإيران في المنطقة، انخرط بفعالية في دعم نظام بشار الأسد منذ عام 2012. وتُظهر معركة القصير في عام 2013 مثالًا واضحًا لهذا التدخل، حيث نجحت قوات حزب الله بدعم إيراني وقصف وحشي في استعادة هذه المدينة الاستراتيجية من المعارضة.
وتشير التقارير إلى أن إيران لم تقتصر على تزويد حزب الله بالأسلحة والموارد المالية، بل قدمت أيضًا تدريبات عسكرية واستخباراتية. وقد تحولت الحدود السورية اللبنانية، التي تمتد لنحو 375 كيلومترًا، والتي شهدت في الأشهر الأخيرة اشتباكات وعمليات تهريب غير قانونية من قبل مليشيات حزب الله، إلى ممر رئيسي لنقل الأسلحة والمخدرات بواسطة حزب الله، وهي أنشطة تُنفذ، بحسب مصادر، بتنسيق ودعم إيراني.
التدخل العسكري المباشر ودور فيلق القدس
بدأ التدخل المباشر لإيران في سوريا منذ عام 2011 مع إرسال قوات الحرس الثوري، وبالأخص فيلق القدس بقيادة قاسم سليماني. ووفقًا لتقارير وسائل إعلام تابعة للحرس الثوري، لعب فيلق القدس دورًا في قمع الاحتجاجات الشعبية في سوريا منذ البداية، وقدم تدريبات أمنية ومعدات قمع للشرطة السورية. وقد شجع سليماني شخصيًا بشار الأسد على مواصلة ما وصفه بالمقاومة ضد مطالب الشعب السوري.
وبحلول مارس 2017، خسرت إيران أكثر من 2100 من قواتها في هذه الاشتباكات، وهو رقم يعكس عمق الوجود العسكري الإيراني. علاوة على ذلك، أشار تصريحات مسؤولين إيرانيين مثل محمود نبويان، عضو البرلمان، في عام 2013 إلى تدريب 150 ألف مقاتل سوري في إيران وإرسال 50 ألفًا من قوات حزب الله إلى سوريا، ما يؤكد مدى هذا التدخل العميق.
الهجمات الكيميائية والاتهامات الدولية
من أكثر جوانب التدخل الإيراني إثارة للجدل دعم نظام الأسد في استخدام الأسلحة الكيميائية. فهجمات الغوطة في أغسطس 2013، التي أودت بحياة مئات المدنيين، تمت بدعم من إيران وروسيا وحزب الله. وقد وجهت أصابع الاتهام من قبل معارضي الأسد ومنظمات دولية إلى إيران بسبب دورها في هذه الجرائم. كما ذكرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” أن إيران ساهمت في انتهاكات حقوق الإنسان من خلال تجنيد اللاجئين الأفغان قسرًا للقتال في سوريا.
التكتيكات السياسية والتسويغ
يشير الخبر المرسل إلى تكتيك إيراني داخلي: تفجير قنبلة في حرم الإمام الرضا في مشهد واتهام المعارضة بها. هذا الأسلوب يشبه الاتهامات التي استُخدمت في سوريا لتبرير أعمال إيران وحلفائها. فقد ركزت الآلة الدعائية الإيرانية على جرائم تنظيم “داعش” للتغطية على انتهاكات الأسد وشركائه.
الخلاصة
تندرج تدخلات النظام الإيراني في سوريا، سواء بشكل مباشر عبر فيلق القدس أو غير مباشر عبر حزب الله ضمن استراتيجية كبرى للحفاظ على النفوذ الإقليمي. تظهر العملية الأخيرة في السيدة زينب والتوترات على الحدود السورية اللبنانية أن هذه التدخلات مستمرة، وآثارها على أمن المنطقة واستقرارها لا يمكن إنكارها.