الثورة – متابعة عبد الحميد غانم:
لكل عصر حكامه الذين ينجحون في فرض السلطة والنفوذ، فقد سيطرت اليونان القديمة وروما على العصور القديمة، وحكمت الممالك البيزنطية والفرنجية العصور الوسطى.
وفي وقت لاحق، تولت الإمبراطورية البريطانية زمام الأمور، مما جعل القرن التاسع عشر يُعرف باسم القرن الإمبراطوري البريطاني، وفي القرن العشرين، فرضت واشنطن هيمنتها المطلقة، مما أكسبها لقب القرن الأمريكي الذي يتميز بالسلام الأمريكي.
ونظراً للاتجاهات الديموغرافية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية الحالية، فإن كل شيء يشير إلى احتمال تحول القرن الحادي والعشرين إلى القرن الآسيوي.
بدأ بالفعل
في الواقع، لقد بدأ القرن الآسيوي بالفعل، ونحن لا ننتظر سوى اختراق حاسم قد يؤدي إلى الهيمنة العالمية للقوى الآسيوية، فالسلام الآسيوي حقيقة واقعة في المستقبل القريب والبعيد.
ظروف انطلاق ممتازة
تتمتع القارة الآسيوية بثروة طبيعية جغرافياً وديموغرافياً، وآسيا هي أكبر قارة من حيث المساحة (44,5 مليون كيلومتر مربع) ولديها أكبر عدد من السكان في العالم – 4,8 مليارات نسمة – مما يشكل 60% من سكان العالم.
وهي تمتد من أقصى نقطة غربية في آسيا الصغرى إلى أقصى نقطة شرقية في جزر ديوميدي (روسيا)، ومن أقصى نقطة جنوبية في جزيرة روتا (جزر ماريانا) إلى أقصى نقطة شمالية في كيب تشيليوسكين في روسيا.
ويبلغ عدد سكان كل من الهند والصين أكثر من 1,4 مليار نسمة في أي منهما، تليهما إندونيسيا بـ 282 مليونا وباكستان بـ 241 مليونا، كما أن الحجم الهائل للمساحة الأرضية وعدد السكان الهائل يمنح آسيا ميزة أولية لا تمتلكها أي قارة أخرى، وإذا اتبعت الدول الآسيوية سياسات اللا عنف والتعاون البناء، فسوف تحظى القارة بأكملها بفرص غير مسبوقة.
توقعات مشرقة
توقعت دراسة أجراها بنك التنمية الآسيوي في عام 2011 أنه بحلول عام 2050، من الممكن أن يتمتع ثلاثة مليار آسيوي بمستوى معيشي مماثل للمستوى الذي يعيشه الأوروبيون، حيث تولد القارة أكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي في العالم.
ووفقاً لهذا التحليل فإن الناتج المحلي الإجمالي في آسيا سوف يرتفع من 17 تريليون دولار في عام 2010 إلى 174 تريليون دولار بحلول عام 2050.
وهذا من شأنه أن يمثل العودة إلى الرخاء التاريخي الذي تمتعت به آسيا قبل 300 عام، وفي القرن الثامن عشر، كانت القارة هي المركز الاقتصادي للعالم، حيث كانت الصين والهند تمثلان معاً نصف الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
إذ ازدهرت الإمبراطورية الصينية بفضل الزراعة المتقدمة والتجارة والتصنيع القوي، في حين كانت الهند منتجاً رائداً للمنسوجات والمعادن الثمينة والتوابل.
في ذلك الوقت، كانت الإمبراطوريات الآسيوية مثل الإمبراطورية المغولية والإمبراطورية العثمانية والصين الإمبراطورية في عهد أسرة تشينغ تتمتع بأنظمة إدارية متقدمة ومدن كبيرة وتبادلات تجارية وثقافية غنية.
ومع ذلك، في القرن التاسع عشر، عانت الإمبراطوريات الآسيوية من الركود بسبب الاستعمار الأوروبي والثورة الصناعية في الغرب.
وفقاً لتقديرات بنك التنمية الآسيوي، سوف تهيمن الدول الآسيوية على الساحة العالمية إذا استمرت اقتصاداتها في النمو بوتيرة ثابتة وسريعة خلال منتصف القرن الحادي والعشرين.
ومن المتوقع أن تقود سبع دول نمو القارة: الصين، واليابان، وكوريا الجنوبية، والهند، وإندونيسيا، وماليزيا، وتايلاند. وبحلول عام 2050، من المتوقع أن تخلو القارة من البلدان الفقيرة – في حين كانت هناك ثمانية بلدان في عام 2011 (أفغانستان، وبنغلاديش، وكمبوديا، وقيرغيزستان، ولاوس، وميانمار، ونيبال، وطاجيكستان)، ومن الممكن أن تتوسع اقتصادات شرق وجنوب آسيا أكثر من 20 مرة بحلول عام 2050، مما يجعل آسيا القوة الاقتصادية الرائدة في العالم.
تعداد سكاني شاب
تتمتع معظم الدول الآسيوية بتعداد سكاني شاب ومتزايد، إلى جانب اقتصادات سريعة النمو، وفي المقابل، تواجه الولايات المتحدة مسار نمو أبطأ ولكنه أكثر استقرارا بسبب شيخوخة السكان، وبحلول عام 2050، ومن المتوقع أن يبلغ عدد سكان آسيا 5.3 مليارات نسمة، في حين سيكون عدد سكان الولايات المتحدة حوالى 400 مليون نسمة.
إن القرن الآسيوي يستعد ليحل محل القرن الأميركي، والعقبة الوحيدة أمامه هي الصراع الداخلي بين الآسيويين، وسوف تكون خسارة كبيرة إذا أهدرت آسيا هذه الفرصة.