الثورة- منذر عيد:
وحدها الدبلوماسية في أي بلد، تحدد في مبنى يسمى وزارة الخارجية، إلا أنها تتواجد من خلال عملها في جميع الساحات والمجالات الأخرى التي تهم البلد، من الاقتصاد إلى المجتمع إلى العسكرة… حيث يكون لها اليد الأساس في وضع اللبنة الأولى في أساس أي اتفاق، لتترك التفاصيل الفنية والاختصاصية لأصحاب الشأن.
الدبلوماسية السورية الجديدة عملت على إيلاء الملف الاقتصادي أهمية كبرى وخاصة منذ اللحظات الأولى لاستلام الإدارة الجديدة مهامها لقيادة سوريا نحو مستقبل مزدهر، وهو ما بدا جلياً من خلال مشاركة وزير الخارجية والمغتربين أسعد الشيباني في منتدى دافوس الاقتصادي في سويسرا، رغم عدم مضي أيام قليلة على تسلم الإدارة الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع مهامها في سورية، ما شكل تحولاً جذرياً في السياسة السورية على الساحة الدولية.
الهدف كان إعادة إحياء علاقات دمشق مع المجتمع الدولي بعد أن شهدت تلك العلاقات طوال حكم نظام بشار الأسد البائد الكثير من الانتهاكات، والمزاجية في التعامل، سياسة جديدة هدفت إلى ترميم ما دمره النظام السابق من جسور تواصل سياسية واقتصادية، وبداية لفتح الباب أمام مساعدات واستثمارات أجنبية باتت تشكل ضرورة ماسة، في ظل الدمار الذي خلفته الحرب، إذ تقلص الناتج المحلي الإجمالي من 60 مليار دولار قبل 2010، إلى “أقل من 6 مليارات دولار في 2024″، واقتصاد متهالك بفعل العقوبات الغربية على سوريا، وسياسة النظام السابق، لتنقل وكالة الصحافة الفرنسية عن الشيباني قوله في “دافوس”:” ورثنا دولة منهارة من نظام الأسد، لا نظام اقتصادياً فيها”.
رؤية الإدارة الجديدة لسوريا في إدارة الملف الاقتصادي كانت واضحة منذ اللحظات الأولى، حيث أكد الرئيس الشرع في مقابلة مع قناة “العربية” في 29 كانون الأول الماضي أن سوريا تحتاج إلى بنية اقتصادية على الطريقة الحديثة، بعد أن كانت تحيا في ظل عقلية اشتراكية تفرض هيمنة الدولة على قطاعات الاقتصاد، وقال: “نحتاج إلى خبراء يعرفون مقومات البلد ويحاولون أن يستفيدوا من كل تجارب العالم، حتى يتم الإتيان بشيء يتناسب مع طبيعة المجتمع”.
بعد مضي قرابة الخمسة أشهر على تولي الإدارة الجديدة في سوريا مهامها، يمكن التأكيد على أن حراكها السياسي منذ اللحظات الأولى والتواصل مع المجتمع الدولي بدأ بالإثمار، وبدأت بذار السياسة تنبت زرعاً في حقول الاقتصاد، وخير دليل على ذلك مشاركة وفد سوريا المكون من الوزير الشيباني، ووزير المالية محمد يسر برنية، وحاكم المصرف المركزي، عبد القادر الحُصرية، في اجتماعات الربيع المشتركة لـ«صندوق النقد الدولي» و«البنك الدولي»، التي بدأت في واشنطن اليوم الإثنين وتمتد حتى يوم السبت المقبل.
وتهدف مشاركة الوفد السوري بتلك الاجتماعات كما أوضح برنية، إلى «إعادة إحياء التعاون مع المؤسسات المالية الدولية، وفتح قنوات للدعم الفني، وبناء القدرات»، ليشير بمنشور في “لينكد إن”، إن الوفد سيجري حزمة من الاجتماعات واللقاءات الثنائية، على أن تنعكس خيراً في عودة سوريا إلى النظام المالي الدولي والمجتمع الدولي، وتوفر الفرص لدعم جهود إعادة الإعمار في سوريا وبناء المؤسسات، وإرساء مقومات الاستقرار الاقتصادي والمالي ووضع الاقتصاد السوري في مسار التعافي، في سبيل تحسين فرص الحياة الكريمة والمعيشة للشعب السوري الذي عانى كثيراً.
يمكن التأكيد على أن انخراط الاقتصاد السوري في الساحة الدولية، بدعم وجهد سياسي بارز، بات في حكم الواقع، ليوضح وزير الاقتصاد نضال الشعار، أن الوفد السوري إلى الولايات المتحدة ينقسم إلى شقين، الأول سياسي وهو في نيويورك، والثاني مالي بحت وهو في واشنطن العاصمة، مبيناً أنه سيزور الولايات المتحدة الشهر المقبل، وتحديداً العاصمة الأميركية وولاية ميشغان وولاية تكساس، وكاليفورنيا، للمساعدة والنصح في تشكيل هيئة رجال الأعمال السوريين الأميركيين، على أمل أن تشكل ذراعاً قوية لبناء سوريا جديدة.