الثورة – المهندس بسام مهدي:
في إطار تعزيز وعي المزارعين المحليين في منطقة جنديرس الواقعة شمال غرب سوريا، بممارسات الزراعة الذكية مناخياً، يقدّم مركز التنمية والبحوث الزراعية والبيئية التابع لمنظمة أورانج، خدمات متقدمة لتحليل جودة التربة والمياه والبذور، باستخدام تقنيات زراعية حديثة تعتمد على أدوات رقمية وميدانية مبتكرة، إن هذه المنهجية لا تهدف فقط إلى نقل المعرفة، بل إلى تغيير السلوك الزراعي من الاعتماد على الحدس إلى الاعتماد على البيانات، ومن الحلول المؤقتة إلى التخطيط المستدام طويل الأمد.
بناء وعي مجتمعي للتكنولوجيا الزراعية
البرنامج لا يركّز فقط على المزارعين كأفراد، بل يعمل على تعزيز الوعي المجتمعي بأهمية التحول نحو الزراعة الذكية مناخياً، وتُعقد ورش توعوية في القرى والمزارع، وتُوزّع منشورات مبسّطة، وتُنفذ جلسات تدريبية تطبيقية، في محاولة لخلق ثقافة زراعية جديدة تتبنّاها المجتمعات المحلية بأكملها، لطالما اعتمد المزارعون في جنديرس، كما في كثير من مناطق الريف السوري، على الخبرة المتوارثة والتجربة الشخصية في إدارة محاصيلهم، إلا أن هذه الأساليب التقليدية أصبحت اليوم مهددة، في ظل التغيرات المناخية التي تسببت في مواسم زراعية غير منتظمة، ونقص في المياه، وتراجع في جودة الإنتاج، وفي جنديرس، بدأت بذور هذا التغيير تنبت في الحقول، لا على شكل محاصيل فحسب، بل كرؤية جديدة لمستقبل زراعي أكثر ذكاءً واستدامة.
خدمات مركز التنمية والبحوث الزراعية والبيئية
يقدم المركز التابع لمنظمة أورانج، تحليلاً لجودة التربة والمياه والبذور، ويتم من خلال هذا التحليل فحصاً شاملاً لعناصر التربة، ونسبة الرطوبة، والمحتوى العضوي، وتقييم صلاحية المياه للري وجودة البذور المستخدمة، وأيضاً يقوم المركز باستخدام تقنيات زراعية حديثة، من خلال أدوات رقمية وميدانية مبتكرة توفر بيانات دقيقة وفورية، ويتم تنفيذ الفحوصات من دون الحاجة لمختبرات تقليدية أو مواد كيميائية، وبذلك يتم دعم اتخاذ القرار الزراعي في الوقت المناسب.
التميّز في المنهجية المعتمدة
إن هذه التقنيات المتطورة تمكّن من الحصول على نتائج وتحليلات دقيقة وفورية، ميدانية مباشرة، ما يتيح اتخاذ قرارات زراعية في وقت قياسي، ويتم الاستغناء عن المختبرات التقليدية والمواد الكيميائية، والأدوات المستخدمة هي صديقة للبيئة تتيح إجراء التحاليل من دون الحاجة إلى معدات معقدة أو مواد قد تضر بالتربة أو الصحة.
سرعة الخدمة
يتم تقديم تقرير مفصّل خلال أقل من 24 ساعة، يحصل المزارع فيه على نتائج التحليل وتوصيات فنية دقيقة في وقت قياسي، ما يسرّع تنفيذ التدخلات الزراعية ويزيد من فعاليتها.
التقرير الفني
يتضمن التقرير الذي يتسلّمه المزارع معلومات شاملة ودقيقة حول بنية التربة، وتحديد نوعية التربة، ومدى ملاءمتها للزراعة، ويتضمن التقرير مستويات العناصر الغذائية، وتحليل تركيز العناصر الأساسية مثل: النيتروجين، الفوسفور، والبوتاسيوم، ويتضمن نسبة الرطوبة والمحتوى العضوي، يتم قياس نسبة المياه في التربة، ومقدار المادة العضوية الداعمة لنمو النبات، وأيضاً بيانات ميدانية حول حالة الأرض الزراعية، من خلال مؤشرات فنية تساعد في تقييم الجاهزية الزراعية واتخاذ قرارات دقيقة بشأن الري والتسميد.
التوصيات التقنية
وتشمل أولاً: تحديد مواعيد التسميد والري بدقة، وتُقدم التوصيات بناءً على تحليل رطوبة التربة، ومستوى العناصر الغذائية (مثل النيتروجين، الفوسفور، البوتاسيوم)، ويتم حساب الوقت الأمثل للتسميد والري لتفادي الهدر وتحقيق أقصى استفادة للنبات، يُراعى في التوقيت عوامل مثل: درجة حرارة التربة، وتوقعات الطقس، ومرحلة نمو النبات.
ثانياً: تحديد كميات التسميد والري بدقة، وتُحسب الكمية وفقاً لنوع التربة (رملية، طينية، طينية- رملية…)، ولنسبة الرطوبة الحالية في الأرض، ولمستوى المواد العضوية، ولنوع المحصول المزروع (قمح، زيتون، خضروات موسمية…).ثالثاً: التوصيات مخصصة لكل نوع محصول، إن الخضروات الورقية تحتاج إلى ريّ متكرر وتسميد خفيف ومستمر، والحبوب مثل القمح تتطلب تسميداً نيتروجينياً في مراحل معينة، وأشجار الزيتون تحتاج لتوازن بين الري والتسميد الفوسفوري والعضوي، وكل توصية تُصاغ بناءً على بيانات واقعية تُجمّع ميدانياً عبر أجهزة تحليل رقمية، ما يُسهم في تقليل الفاقد من المياه والأسمدة، وزيادة الكفاءة الإنتاجية.
الفوائد الجوهرية
نعرض أبرزها، أولاً: ترشيد استخدام الموارد الزراعية، حيث تُعدّ الموارد الزراعية مثل المياه والأسمدة من العناصر الأكثر استهلاكاً وتكلفة في العملية الزراعية، وبفضل هذه التحليلات الفورية والدقيقة التي توفّرها التقنيات الذكية، يتمكّن المزارع من معرفة الكميات الدقيقة التي تحتاجها التربة من ماء أو سماد، ما يقلل من الاستخدام العشوائي والهدر، ويعزز كفاءة الزراعة دون الإضرار بالبيئة.
ثانياً: تقليل النفقات الزائدة، وذلك من خلال التقارير المفصلة التي يتسلمها المزارع خلال أقل من 24 ساعة، حيث يتلقّى المزارع توصيات دقيقة ومخصّصة تتعلق بمواعيد وكميات الري والتسميد، بناءً على نوع المحصول وطبيعة التربة، هذا النهج يساعد في توجيه الموارد المالية نحو ما هو ضروري فقط، ما يخفف من الأعباء الاقتصادية على المزارعين، خصوصاً في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمرّ بها سوريا.
ثالثاً: رفع الإنتاجية الزراعية، عبر تعزيز فهم المزارع لاحتياجات أرضه، والتفاعل الفوري مع المتغيرات البيئية، حيث تسهم هذه المنهجيات في تحسين نوعية المحاصيل وكميتها على حد سواء، فالزراعة الذكية لا تعني فقط تقليل الهدر، بل أيضاً زيادة فعالية الإنتاج من حيث الجودة والوفرة، وهو ما ينعكس مباشرة على الأمن الغذائي والدخل الفردي للمزارعين.
رابعاً: دعم ممارسات الزراعة الذكية مناخياً، إن اعتماد تقنيات غير تقليدية تُراعي التغيرات المناخية وتقلل من الأثر البيئي، يجعل من هذه المبادرات نموذجاً يُحتذى به في تعزيز الاستدامة الزراعية، فهي تتيح لمزارعي جنديرس التكيّف مع الظروف المناخية المتغيرة، من خلال الزراعة المبنية على بيانات دقيقة بدلاً من التجربة والخطأ، ما يجعل الإنتاج الزراعي أكثر مرونة وفعالية على المدى الطويل.
من الوعي إلى التمكين
هذه التقنيات، رغم بساطتها في الاستخدام، تشكّل ثورة معرفية في حياة المزارع اليومية، تتحول الأرض من مساحة عمل إلى مصدر بيانات حيّة تُبنى عليها قرارات إستراتيجية.
إن رفع وعي المزارعين ليس هدفاً في حد ذاته، بل هو بوابة نحو التمكين الزراعي الحقيقي، يمتلك الفلاح أدوات المعرفة، والقدرة على اتخاذ القرار، والثقة في قدرته على مواجهة التحديات المناخية والاقتصادية، بل تمتد لتشمل الاقتصاد المحلي، والأمن الغذائي، والاستقرار البيئي.