الثورة – إخلاص علي:
في ظل تهالك المؤسسات العامة وصعوبة إعادة تأهيلها، تتوجه الحكومة نحو خصخصة تلك الجهات، انسجاماً مع تبني الاقتصاد الحر وإلغاء الحصرية التي كانت سبباً مباشراً في ترهل القطاع العام.
المصارف العامة واحدة من القطاعات التي تم تعطيل عملها بغياب سياسات مالية ونقدية تحدد مهامها في كل مرحلة، وهذا يطرح سؤالاً حول دورها في المرحلة المقبلة، وفيما إذا كانت الخصخصة خياراً مطروحاً في إصلاحها وإعادتها لتمارس دورها الحقيقي.
ولاسيما بعد تصريحات وزير المالية الأخيرة عن عدم رضاه عن أداء المصارف الحكومية مما أثار العديد من التساؤلات والتفسيرات حول مستقبل هذه المصارف وماينتظرها من قرارات جديدة ؟.
خصخصة محفوفة بالتحديات
السؤال توجهنا به إلى الخبير المصرفي والمالي الدكتور محمد كوسا، ورد بالقول: لا بد من توصيف واقع المصارف والحديث عن الدور المطلوب منها كي نحدد فيما إذا كانت الخصخصة تنقذ المصارف وتمكنها من لعب دورها، فالمصارف العامة في سوريا تعاني من ضعف الكوادر، أنظمة متقادمة، خدمات لا تواكب الحد الأدنى من التوقعات، وديون متعثرة تنهك البنية المالية ولعل أهم ما يُعاب على هذا القطاع هو افتقاره للمرونة المطلوبة في بيئة اقتصادية متقلبة.
وتابع في حديثه لـ”الثورة”: القطاع المصرفي يعتبر أحد الركائز الأساسية لأي اقتصاد، وفي الحالة السورية تزداد الحاجة إلى إعادة هيكلة هذا القطاع بعد سنوات من الحرب والتدهور المالي، وإحدى أدوات الإصلاح المطروحة هي الخصخصة، لكنها محفوفة بالتحديات والاعتبارات الخاصة بالسياق السوري.
وتشير التطورات الأخيرة في سوريا -والكلام لـ الخبير المالي والمصرفي- إلى أن التوجه نحو خصخصة المصارف العامة بات مطروحاً بجدية ضمن خطة شاملة لإصلاح القطاع المالي، لكن هذا التوجه يواجه تحديات كبيرة تتعلق بالبنية التحتية، والكوادر ، والبيئة القانونية وهي تحديات هيكلية تعيق مساهمته الفاعلة في التنمية الاقتصادية.
لذلك، وبحسب كوسا، تم طرح خيار الخصخصة كأداة إصلاح محتملة، تستهدف رفع كفاءة الأداء، وتعزيز التنافسية، وجذب الاستثمارات .
تحوّل صعب ومعقد
وعن خطوات التحوّل إلى الخصخصة قال: العملية معقدة وليست ميكانيكية بل تتطلب أولاً بيئة قانونية متينة، تنظم العملية وتحمي حقوق العاملين والمستثمرين والمودعين، فلا يمكن أن تُطرح أسهم مصرف على الملأ قبل معالجة ديونه، وتحويله إلى شركة تُدار بعقلية السوق لا بعقلية القطاع العام.
ولدى سؤالنا عن مدى جاهزية البيئة السوقية أوضح أن سوق الأوراق المالية يجب أن تنضج والأسعار يجب أن تكون محكومة بعوامل السوق، مع ضمان شفافية كاملة في كل مرحلة من مراحل الخصخصة.
استعادة الثقة
وحول الجاهزية للتحوّل قال كوسا: ربما لسنا جاهزين بشكل كامل لكن اتخاذ خطوات محسوبة في هذا الاتجاه قد يكون بوابة عبور نحو قطاع مصرفي أكثر رشاقة وكفاءة، يوفر خدمات مالية تليق بالمواطن، ويستعيد ثقة المستثمر المحلي والدولي.
وعن الخطوات الواجب اتباعها للخصخصة أشار كوسا إلى أن ذلك يحتاج أولاً إلى تقييم الواقع الحالي والتأكد من توقف الحالة التي أوصلت المصارف إلى ما هي عليه مثل:
– استمرار النهج البيروقراطي في الإدارة.
– تدني معدلات الكفاءة التشغيلية.
– ضعف الثقة العامة بالمصارف العامة.
– غياب آليات سوق حقيقية لتقييم الأداء والمخاطر.
كما أشار إلى الركائز المطلوبة للخصخصة مثل:
1. الإصلاح القانوني والمؤسساتي:
– سن تشريعات خاصة بالخصخصة والحوكمة.
– إنشاء هيئة رقابية مستقلة.
2. إعادة الهيكلة الداخلية:
– تقييم شامل للوضع المالي والإداري.
– تحسين البنية التكنولوجية وتطوير الموارد البشرية.
3. خلق بيئة سوقية محفزة:
– تطوير سوق المال.
– تحرير تدريجي للسياسات النقدية.
– كسر الاحتكار وتعزيز التنافسية.
4. تنفيذ تدريجي مُخطط:
– البدء بمصارف تجريبية.
– تقييم مستمر وتعديل المسار حسب النتائج.
وأضاف: علينا أن نحدد نماذج الخصخصة المحتملة هل هي ؟
– الخصخصة الجزئية عبر طرح أسهم محددة.
أو نموذج الشراكة العامة–الخاصة (PPP).
– التعاقد على الإدارة دون نقل الملكية.
وختم كوسا بالقول : الخصخصة ليست هدفاً بذاته، بل وسيلة لتحقيق كفاءة وعدالة في توزيع الموارد المالية ، نجاحها في سوريا رهنٌ بتحقيق الشفافية، وحماية الحقوق، وتوفير بيئة تشريعية وسوقية مهيئة بشكل مدروس.
لاشك أنه كما كل القطاعات تواجه القطاع المصرفي تحديات التحول والانطلاق، لمواكبة تغيير النهج الاقتصادي الذي يعاني من تدهور يمنع الاستمرار به .