“الخوذ البيضاء” وشعار “ومن أحياها”: قصة أبطال لا يعرفون المستحيل

أحمد نور الرسلان
برزت مؤسسة “الدفاع المدني السوري” التي تُعرف محلياً ودولياً باسم “الخوذ البيضاء”، كأول منظمة إنسانية، انبثقت من رحم الثورة السورية، ووصلت للعالمية لتنال أكثر من 40 جائزة دولية تقديراً لجهودها في إنقاذ السوريين، يتردد ذكرها في كل موضع، وتركت بصماتها في كل بيت، لتبرز كمؤسسة وطنية حملت على عاتقها حماية الأرواح إيماناً منها بأحقية السوريين في الحياة والبقاء.

فرضت ظروف الحرب التي عايشها السوريون منذ بداية الحراك الشعبي ضد نظام الأسد عام 2011، واستخدام القوة المفرطة عبر القصف الجوي والأرضي، وسط غياب تام لطواقم الإسعاف والمؤسسات المعنية بإنقاذ المصابين والضحايا، ظهور فرق تطوعية ألقت على عاتقها مساندة المدنيين، لسد الفراغ الحاصل إنسانياً، كان لها دور فارق في إنقاذ مئات آلاف الأرواح ممن كتب لهم النجاة.

جاءت فكرة إنشاء تلك الفرق كضرورة ملحة بعد سياسة العقاب الجماعي التي عمل على تطبيقها النظام عبر سحب الخدمات الحكومية، كانت البداية بفرق تطوعية، سرعان مانظمت نفسها ضمن مناطق تواجدها وجعلت هدفها “إنقاذ الأرواح”، مع تنامي استخدام القوة من الطيران إلى المدفعية والراجمات ضد المناطق المدنية المأهولة بالسكان، ووجدت تلك الفرق نفسها أمام تحد كبير في مواجهة آلة القتل.

في 25 تشرين الأول عام 2014 انطلقت رسمياً مؤسسة الدفاع المدني السوري كمنظمة مستقلة حيادية وغير منحازة، تحمل رسالة إنسانية ترفض القتل وتُنادي بالحياة، وأُعلن عنها في الاجتماع التأسيسي الأول في مدينة أضنة التركية، بحضور نحو 70 من قادة الفرق التطوعية في سوريا، كرسوا أنفسهم لإنقاذ الأرواح منذ نهاية عام 2012.

رفعت المؤسسة شعار “ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً”، لتتولى العديد من المهام في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، أبرزها مهمة إنقاذ المدنيين بفعل القصف اليومي، واستطاعت حتى نهاية 2024 من إنقاذ أكثر من 128 ألف روح، وهو الإنجاز الأهم في عمل المؤسسة، إضافة لمئات المشاريع والخدمات التي نفذتها ولاتزال، فكانت شريان الحياة لآلاف السوريين، والشاهد الأقرب للموت الذي تحمله القذائف والصواريخ.

خلال مسيرة عمل طويلة زادت عن 13 عاماً، استجابت فرق الدفاع المدني السوري لعشرات الآلاف من الهجمات الجوية والأرضية والهجمات الكيميائية التي كانت أحد أبرز الشهود عليها، إلى جانب الاستجابة للكوارث الطبيعية وعلى رأسها زلزال شباط 2023 المدمر، وإخماد الحرائق وحوادث السير، علاوة عن خدمات الرعاية الصحية والإسعافات الأولية، إضافة للاستجابة في عمليات إزالة الألغام والذخائر غير منفجرة من مخلفات الحرب.

ساهمت “الخوذ البيضاء” في إعادة تأهيل البنية التحتية من خلال مشاريع نوعية مع التركيز على المنشآت التعليمية والطبية وشبكات الطرقات ومشاريع المياه والإصحاح في المناطق التي تنتشر فيها، واجهت المؤسسة خلال مسيرة عملها حملات قصف واستهداف ممنهج لمراكزها التي من المفترض أنها محمية بموجب الاتفاقيات الدولية، وسجل سقوط العشرات من عناصرها

اكتسبت “الخوذ البيضاء” خبرة عملية كبيرة في التعامل مع الكوارث والأزمات، وأثبتت حضورها الفاعل بأكثر من 3 آلاف متطوع، كانوا دائماً على قائمة الأهداف الأقرب للموت، عبر الاستهدافات المتكررة التي تعرضوا لها من قبل طيران النظام وحلفائه، والمدافع الأرضية، من خلال سياسة القصف المزدوج الذي يتقصد استهداف فرق الإسعاف لحظة وصولها لأماكن سقوط الضحايا، وقدمت المؤسسة خلال مسيرتها عشرات الضحايا من كوادرها، كما واجهت أصعب اللحظات دون أن تتخلى عمن وثق بها لحمايته وإنقاذه.

حملت “الخوذ البيضاء” رسالة إنسانية سامية في مسيرتها، ولم تفرق بين طائفة أو عرق، أصدرت بيانات عديدة للمساهمة في إنقاذ الأرواح في مناطق سيطرة النظام رغم إدراكها لمغبة المخاطرة لاسيما في أحداث زلزال شباط 2023 شمال غربي سوريا، والذي أثبتت فيه المؤسسة نجاحها في الاستجابة السريعة وإنقاذ آلاف الأرواح، وانتشال الباقين من تحت الركام رغم فظاعة الحدث، أيضاَ في الحرائق التي اندلعت في مناطق النظام صيف 2020، أعلنت جاهزيتها للمشاركة في إخمادها وتقديم خبراتها.

ورغم حملة التشويه والتضليل الإعلامي الذي تعرضت له من قبل نظام الأسد في المحافل الدولية وعبر وسائل الإعلام واتهامها بتمثيل المجازر التي كانت تُرتكب في سوريا، أبرزها مجازر القصف الكيماوي في الغوطة وخان شيخون، وحملة الاستهداف الخارجي من قبل حلفاء النظام، إلا أن المؤسسة نالت ثقة المنظمات الإنسانية الدولية، واستطاعت الوصول لمراكز القرار الدولي، وحظيت بالحفاوة والتكريم والدعم الكبير بالمعدات والتجهيزات والخبرات.

لم يتردد متطوعو “الخوذ البيضاء” يوماً عن تقديم الخدمات للمدنيين، وبرزت الفرق النسائية في المؤسسة كرديف أساسي للرجال ولعبت المرأة دوراً كبيراً في عمليات الإسعاف والرعاية الصحية، حيث تخوض النساء في المؤسسة معركة حقيقية للحفاظ على المجتمعات ولإنقاذ الحياة، منبعه إيمان المؤسسة بالدور الحقيقي الذي يمكّن المرأة من المشاركة في العمل والتضحية من أجل المجتمع والمشاركة بكل مجالات الحياة.
حصلت “الخوذ البيضاء”، على العديد من الجوائز الدولية تقديراً لجهودها الإنسانية في إنقاذ المدنيين السوريين، من أبرزها (جائزة نوبل البديلة (Right Livelihood Award) في عام 2016، جائزة الأوسكار (Academy Award) في فبراير 2017، جائزة إيلي فيزل (Elie Wiesel Award) في 1 مايو 2019، جائزة غاندي للسلام (Gandhi Peace Award) في 28 مارس 2020، جائزة تيبراري الإيرلندية الدولية للسلام (Tipperary International Peace Award) في 9 يونيو 2017، جائزة نساء العام (Women of the Year Award) في 16 نوفمبر 2017″، جائزة أيبر البلجيكية (Ypres Peace Prize) في 11 نوفمبر 2017، جائزة مكين للقيادة (McCain Leadership Award) في 30 أبريل 2018، جائزة ديزموند توتو الخاصة بالسلام (Desmond Tutu Peace Prize) في نوفمبر 2016).

تؤمن “الخوذ البيضاء” بالعدالة الانتقالية لمحاسبة مجرمي الحرب، وتمتلك المؤسسة عشرات آلاف الأدلة على جرائم الحرب التي ارتكبها نظام الأسد وحلفائه، حيث اتبعت المؤسسة برنامجاً فاعلاً لتوثيق جميع استجاباتها بالصوت والصورة والشهادات الحية من قلب الحدث، وتعهدت بتقديم تلك الأدلة والشهادات للمنظمات الحقوقية الدولية والوطنية عقب سقوط نظام بشار الأسد، للمساهمة في محاسبة مجرمي الحرب.

ومع سقوط نظام بشار الأسد، ورغم توقف القصف الجوي والأرضي، إلا أن أمام “الخوذ البيضاء” دور حيوي ومهام وتحديات جسيمة في أبرزها متابعة الاستجابة لآلاف الذخائر غير المنفجرة من مخلفات الحرب المنتشرة في الأراضي الزراعية والمناطق السكنية التي تشكل خطراً كبيراً يهدد سلامة المدنيين، والمشاركة في برامج التعافي المبكر وإعادة الإعمار والتطوير ومساعدة المجتمعات على إعادة بناء ما دمرته الحرب من بنيتها التحتية، مثل المدارس، والمستشفيات، والمنازل، والمرافق العامة.

ويمكن أن تُدرب الخوذ البيضاء المجتمعات المحلية على كيفية إعادة بناء حياتهم بشكل مستدام، باستخدام موارد محلية وتقنيات بسيطة، علاوة عن الاستجابة للكوارث الطبيعية والطوارئ كالزلازل أو الفيضانات والحرائق، أيضاً لها دور ريادي في تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للناجين، وخاصة الأطفال والمجتمعات التي عانت من العنف، علاوة عن إعادة توطين اللاجئين وتوفير الدعم للأفراد الذين تم تهجيرهم بسبب الحرب.

اليوم تبرز الحاجة الملحة في بلد مدمر أنهكته آلة الحرب، لتعزيز حضور كوادر وخبرات مؤسسة الدفاع المدني السوري في عموم المناطق السورية، ولتلعب دورها الأساسي في البناء وإعادة الحياة للمناطق المدمرة، والمساهمة بفعالية من خلال خبراتها في الدفع بعجلة النمو، مكملة مسيرتها البطولية، تستثمر حب السوريين لها، لتكون عوناً وسنداً لهم في تأمين عودتهم لقراهم ومدنهم المدمرة، ولتبرز كمؤسسة وطنية سورية تستحق التكريم والثناء.

آخر الأخبار
معسكرات تدريبية مجانية للنشر العلمي الخارجي بجامعة دمشق "كايزن".. نحو تحسين مستمر في بيئة العمل السورية نحو اقتصاد سوري جديد.. رؤية عملية للنهوض من بوابة الانفتاح والاستثمار بناء اقتصاد قوي يتطلب جهداً جم... اليابان تدرس.. ونائب أمريكي: يجب تعزيز التحالف مع سوريا استطلاع (الثورة) للشارع السوري في فرنسا حول رفع العقوبات مسابقة الخطلاء للشعر النبطي تخصص لسورية صيدلية مناوبة واحدة في مدينة طرطوس والنقابة توضح حذف الأصفار من العملة.. ضرورة أم مخاطرة؟! تأخر في استلام أسطوانة الغاز بدرعا مرسوم رئاسي بتشكيل الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية نقل مواقف الباصات لجسر الوزان .. بين الحل المروري والعبء الاقتصادي مرسوم رئاسي بتشكيل الهيئة الوطنية للمفقودين قوافل حجاج بيت الله الحرام تبدأ الانطلاق من مطار دمشق الدولي إلى جدة مرسوم رئاسي حول الهيئة العامة للتخطيط والتعاون الدولي "السورية للمخابز": تخصيص منافذ بيع للنساء وكبار السن  د. حيدر لـ"الثورة": زيادة "النقد" مرتبط بدوران عجلة الاقتصاد  وفد صناعي أردني  و٢٥ شركة في معرض "بيلدكس" وتفاؤل بحركة التجارة نوافذ التفاؤل بأيدينا...    د .البيطار لـ"الثورة": الدولة ضمانة الجميع وبوابة النهوض بالمجتمع  "الاختلاف" ثقافة إيجابية.. لماذا يتحول إلى قطيعة وعداء؟ الأمم المتحدة تكرر رفضها لخطة المساعدات الإسرائيلية الأمريكية لغزة