الثورة – إخلاص علي:
ما يُعلن في السياسة خلال لحظات يحتاج إلى وقت طويل لترجمته على الأرض، ففي التفاصيل تكمن التعقيدات وتبرز المشكلات، وما أكثرها في القطاع النفطي المدمّر بمنشآته والغائب عن التقنيات والابتكارات لسنوات طويلة.
رفع العقوبات عن قطاع النفط ليس إلا بداية وفتح باب أمام إعادة هذا القطاع إلى الإنتاج، ولكن ذلك يحتاج إلى تقييم فني وتمويل خارجي وتعاقدات، ومناقشات قانونية لمعالجة الأمور العالقة مع الشركات النفطية الأجنبية التي كانت تتواجد في سورية وخرجت منها بالقوة القاهرة.
الأمان قبل التشريع
الخبير الاقتصادي طارق الأحمد تحدث عن تحديات كبيرة تواجه إعادة إعمار القطاع النفطي بعد رفع العقوبات الأميركية وقال لـ”الثورة”: رفع العقوبات عن القطاع النفطي لا يكفي باعتبار أنه مرتبط بالحل السياسي، وخاصة أن “قسد” هي من تسيطر على المناطق التي تتواجد فيها الكمية الأكبر من النفط في سوريا، وطبعاً هناك مناطق أخرى يمكن أن تستثمر فيها الشركات الأجنبية، ولكن الوضع غير مُشجّع حتى الآن لاستقطاب الاستثمارات، أي يجب أن يكون هناك بيئة تشجيعية منتظمة، وليس فقط تشريعات، مشيراً إلى أن المستثمرين الأجانب بحاجة لبلد مستقر حالته الأمنية عالية، معتبراً أن هذه الأمور بغاية الأهمية لأن البعد النفسي والأمني هو الأساس.
وأضاف الأحمد: يجب أن يكون هناك بنية حكومية مستقرة، أي أن يتوافر عدد من الخبراء المختصين من دون إقصاء لأي منهم، فالشركات الأجنبية غير قادرة على العمل في ظلّ وجود خلل في البنية الإدارية للدولة.
وطرح مثالاً: لنفترض أن ثمة توجيهاً سياسياً عالي المستوى من قبل تركيا أو أميركا بأن تأتي الشركات الأجنبية للاستثمار في سوريا، متسائلاً ألا يمكن أن تتنافس شركتان تركيتان فمَن الذي سيفصل بينهم؟ مَن سيكون حكماً؟ وبالتالي الاستثمار هو بيئة صحية متكاملة لا تقتصر على مسألة واحدة، أي المسار السياسي حُكماً يجب أن يكون سابقاً للمسار الاقتصادي إذا أردنا أن يكون هناك بداية لعملية استثمارية صحية.
وختم حديثه بالقول: رفع العقوبات وحده لا يسمح ببدء العملية الاقتصادية، ما لم يتحقق الأمن والأمان والبيئة التشريعية الناظمة لدخول الشركات وعملها وفضّ النزاعات.
شراكات ثنائية
فيما يرى الخبير في شؤون الطاقة الدكتور زياد عربش أن رفع العقوبات عن شركات ومؤسسات قطاع النفط له أثر إيجابي على قطاع الطاقة بشكل عام، وسيُمكّن سوريا من استيراد مجمل تجهيزات قطاع الطاقة ومن كل دول العالم، بعد أن كان محظوراً لأي شركة التعامل المالي والتكنولوجي مع أي فرد أو كيان سوري أو غير سوري لمصلحة سوريا، مشيراً إلى أنه كان ممنوعاً منذ عام ٢٠٠٤ لأي جهة إرسال تجهيزات إذا كانت نسبة المكوّن الأميركي تفوق الـ١٠بالمئة.
وأضاف خلال حديثه لـ” الثورة”: ستتمكن سوريا كذلك من التوقيع على عقود تقاسم إنتاج جديدة (المسماة خطأ عقود الخدمة) وفي مناطق جديدة بما فيها المياه الإقليمية، لكن كل ذلك يتطلب الشفافية والمصداقية بالتعامل، وذلك من خلال تفعيل حقوق الشركات الأجنبية التي كانت تستثمر، وتنتج من الحقول موضع عقود محدد، لكن اضطرت هذه الشركات لمغادرة سوريا.
كما يُتيح رفع العقوبات، بحسب عربش، إقامة شراكات ثنائية ومتعددة الأطراف، شرط أن تُطوّر سورية البيئة الناظمة والشفافية المطلوبة في التعامل مع المستثمرين ولا بديل عن العمل المؤسساتي، خاصة فيما يتعلق ببناء بنيات الطاقة وفروعها القطاعية من مرافق وتجهيزات ومعامل إنتاج، وخاصة محطات والمزارع الكهروشمسية والكهروريحية.
يبدو أن قطاع النفط والغاز لديه من المعاناة ما يعادل أهميته، وهذا سيجعل من خطوات إعادته وتطويره تحدياً كبيراً لحكومة تعاني عجزاً في التمويل يصل حدّ الإفلاس، كما يعاني من استنزاف لخبراته التي غادرت لأسباب مختلفة، منها ما هو أمني ومنها ما يتعلق بالدخل وتدني المستوى المعيشي.