الثورة – ميساء سليمان:
يعتبر عقوق الوالدين من أعظم الذنوب التي حذّر منها الإسلام، وهو إيذاء للأبوين، بقول أو فعل أو إهمال، ما يجلب غضب الله وسخطه، في زمن كثرت فيه الانشغالات، وتقلّصت فيه القيم، فأصبح العقوق ظاهرة مؤلمة، تهدد كيان الأسرة والمجتمع، وقد جاءت النصوص الشرعية مؤكدة على خطورة هذا الفعل، وقرن الله تعالى العقوق بالشرك به في مواضع عدة، وجعل رضاه من رضا الوالدين، وسخطه من سخطهما.
فكيف وصلنا إلى هذا الحال.. وما آثار هذا الأمر على الفرد والمجتمع؟ هذا ما سنتناوله في حديثنا مع فضيلة الشيخ أحمد اللوجي.
حقوق الوالدين
إن حقّ الوالد على ولده كبير في الشرائع كلها والديانات السابقة جميعها، وقد أكد على ذلك القرآن الكريم في كثير من الآيات القرآنية فقال تعالى:﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً ۖ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً ۖ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْراً ۚ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ۖ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [ الأحقاف: 15].
وأكدت السنة النبوية أيضاً على ذلك في عدة أحاديث شريفة، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من برّ والديه طوبى له زاد الله في عمره”.
وتابع الشيخ أحمد حديثه بقوله: لما دعا الإسلام إلى برّ الوالدين، دعا إلى تحقيق غاية نبيلة وأهداف كريمة، وهو قيام الأسرة على جو من الود والإحسان والمحبة التي اجتمعت فيها، خلال البر والإيثار، وجعل جزاء من أرضى والديه على حساب رغباته فقد أرضى ربّه، ومن أرضى ربّه تعالى، فلن يخيب في شيء أبداً، من خلال الكلام اللطيف والأسلوب اللين، المشفوع برقة العاطفة امتثالاً لقوله تعالى: {وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً}.
وتابع فضيلته: هذا وقد تحدثت الشريعة الإسلامية عن آفة ومرض من الأمراض الإنسانية، إنها آفة العقوق التي تقابل إحسان الوالدين بالإساءة، والإنعام باللؤم؟! وأي لئم أشدّ من هذا العاق الذي ينسلخ عن إنسانيته، فينسى تعب الوالدين وإنفاقهما عليه، وأنهما يوقفان سعادتهما على سعادة الأولاد، وسرورهما بسروره، وراحتهما براحته، فإن أصابه شكاية أظهرا الحزن حتى النهاية، وإن أصابه حزن ونحيب بذلا مالهما للطبيب، فقابلت ذلك بالإنكار لحقهما! والتملل من وجودهما والإعراض عن خدمتهما وتفضيل الزوجة والولد عليهما، وإطاعة الصديق في معصيتهما ويمسك يده عن حاجتهما، يصعب عليه أمرهما، ويطول عليه عمرهما وهو قصير؟! بل ويهجرهما ؟! مالهما سواه من نصير.
وأضاف في حديثه: فيا أيها المضيّع الحقوق، المستبدل بالبر العقوق، تطلب الجنة بزعمك، وهي عند أقدام أمك التي حملتك في بطنها تسعة أشهر، وكأنها تسع حجج، وكابدت عند وضعك ما يذيب المهج، ولا أعزو بعد ذلك أن يعجل الله عقوبة العاق في الدنيا قبل الآخرة، حتى ينال العقاب مرتين، قال عليه الصلاة والسلام: “كُلُّ ذُنوبٍ يُؤخرُ اللهُ منها ما شاءَ إلى يومِ القيامةِ، إلا البَغيَ وعُقُوقَ الوالدين، أو قطيعةَ الرَّحمِ، يُعَجِّلُ لصاحِبِهَا في الدنيا قبلَ الموت” رواه البخاري.
وهذا، فإن العقوبة لا تنحصر على العاق فحسب، بل تتعدى المجتمع، كما جاء في الحديث: “الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، واليمين الغموس”رواه البخاري.
فأين هؤلاء الذين يتسابقون إلى ودع آبائهم وأمهاتهم في دور العجزة، وإن مكانهما الصحيح بين أولادهما وأحفادهما، وما أشده من عقوق.
وختم فضيلته قائلاً: إن الحياة دين ووفاء، وكما تدين تُدان، والجزاء من جنس العمل، والمكيال الذي تكيل به، يُكال لك به، فالبرّ لا يبلى، والذنب لا ينسى، والديّان لا يموت.