من إدلب إلى دمشق غيث حمور شعرت أنّني أوقّع على جسدي لا على الورق

الثورة – سعاد زاهر:

“توقيع كتبي في سوريا بعد أكثر من أحد عشر عاماً من الغياب، لم يكن مجرد نشاط ثقافي أو مناسبة عابرة بالنسبة لي، بل لحظة مشحونة بالدلالات، تنطوي على رمزيّة شخصيّة ووطنية في آن واحد…”
كلمات يفتتح بها الكاتب غيث حمور تصريحه لصحيفة الثورة عن خصوصية هذه اللحظة قائلاً: في كل مدينة وقفت فيها– من دمشق إلى السويداء، ومن حلب إلى السلمية، وطبعاً في إدلب – كنت أشعر أنني أوقع على جسدي، لا على الورق، وأنني أستعيد شيئاً من حياتي التي سُرقت، لا فقط أُعرّف بجملة من الكتب.

مصالحة مع المكان

مشاعري كانت مختلفة في كل توقيع، لكن إدلب تحديداً كانت محطة خاصة.. إدلب التي بقيت تقاوم، وتحمل عبء البقاء والذاكرة، شعرتُ أنني لا أوقع كتاباً فقط، بل أوقع وثيقة مصالحة مع المكان، وثيقة حب مع قراء لم ألتقِ بهم من قبل، لكنهم عرفوني من خلال الكلمات.
ما يميّز هذه اللحظة، أنها تأتي بعد التحرير.. نعم، التحرير من سلطة الاستبداد، من قمع الكلمة، من زمنٍ طويل كان الكاتب فيه مراقَباً والقارئ متهماً. ما أعيشه الآن هو كتابة جديدة، في زمن جديد، على أرض جديدة لا لأن الجغرافيا تغيّرت، بل لأن الناس تغيّروا، والوعي تغيّر، والجرح نفسه أصبح أكثر وضوحاً، وأكثر إصراراً على أن يُروى.

من دون وصاية

وحول روايته الأخيرة “ثورة القوارض”، يقول غيث: وإن كُتبت خارج سوريا، في المنافي والمخيمات والمطارات، إلا أنها أول ما رأت النور كانت في الداخل، بعد أن استعادت الكلمة حريتها، وبعد أن استعاد السوري صوته.. هي رواية رمزية، ساخرة، تحتفي بالخسارة مثلما تحتفي بالمقاومة، وتحاول أن تُحاكم الإنسان من خلال مرآة الحيوانات، ولعلها تحمل في روحها مزيجاً من الغضب والحب، من الحنين والرغبة في التغيير، مثلها مثل أغلب من يعيشون على هذه الأرض اليوم.
أوقع كتبي اليوم من دون وصاية، من دون خوف من رقيب، من دون أن أبحث عن كلمات “صالحة للنشر”، وهذا في ذاته مكسب لا يمكن قياسه بالكلمات.
لهذا، فإن هذه اللحظة ليست لحظة احتفال بكتاب فقط، بل لحظة ولادة جديدة لكاتب ظلّ يكتب رغم كل شيء.. وأجمل ما فيها أنني أكتب وأوقع في بلدي، بين أهلي، ومع أناس يشبهونني في الحلم والخذلان والأمل.

رائحة البدايات

ورغم أن لكل مدينة نكهتها الخاصة، لا بد أن أقول: إن توقيعي في دمشق، مدينتي الأولى ومسقط رأسي، كان لحظة استثنائية بكل معنى الكلمة، أن أعود إليها ككاتب، لا كلاجئ ولا كخائف، كان بمثابة استرداد لجزء مني.. بين جدران المدينة التي شهدت أولى محاولاتي في الكتابة، وجدت الذاكرة تكتب نفسها من جديد، كان اللقاء في دمشق دافئاً، مزدحماً بالمشاعر، ومحملاً برائحة البدايات.
أمّا حلب، مدينة الطّرب والعناد والحنين، فقد كان حضورها مختلفاً، فيها وقفت أمام جمهور يعرف الوجع ويغنّي له، جمهور يمارس المقاومة بالغناء وبالقراءة معاً، شعرتُ في حلب أنّ الكلمة لا تُقرأ فقط، بل تُغنّى وتُتداول كأنها جزء من التراث الشعبي، وأن الكتاب يمكن أن يتحوّل إلى نشيد.
في السويداء والسلمية، كان الأمر أشبه بندوة وطنية حرة أكثر منه حفل توقيع، امتدت الحوارات مع القرّاء لساعات، من دون قيود، من دون حسابات.. تحدث الجميع بحرية نادرة، عن السياسة، عن الدين، عن الأدب، عن الذاكرة، كأننا كنا نعيد اكتشاف بعضنا من جديد، تلك الجلسات كانت حالة استثنائية لم نشهدها منذ سنوات طويلة، بل منذ عقود، لم يكن هناك متفرجون، بل مشاركون.. الجميع تحدّث، والجميع استمع، والجميع أراد أن يقول شيئاً.
ربما لهذا السبب، أشعر أن هذه التواقيع لم تكن فقط عن كتب، بل عن الناس أنفسهم، عن ذاكرتهم، عن حلمهم الذي لا يزال يتنفس رغم كل ما مضى.

تعريف..

غيث حمّور.. كاتب وصحفي سوري من مواليد دمشق عام 1982، يحمل بكالوريوس في الإعلام من جامعة دمشق، وماجستير في السينما والتلفزيون من جامعة بهشة شهير في إسطنبول، عمل في عدة مؤسسات إعلامية وصحفية داخل سوريا وخارجها، شغل منصب رئيس تحرير المكتب الإعلامي لقوى الثورة، ومنصب رئيس تحرير سوريا ٢٤ وسوريا بلس.
صدر له عدة مؤلفات أدبية، بينها رواية “أبيض قانٍ” عام 2022، والتي تناولت قصة لجوء ومعاناة سيدة سورية خلال سنوات الحرب.
يُعرف حمّور بطرحه الجريء لقضايا المجتمع، وتناوله للجانب النفسي للشخصيات بأسلوب سردي متميز.
أعماله:
– أبيض قان “رواية” عن دار نون4: الطبعة الأولى 2022، الطبعة الثانية 2024، الطبعة الثالثة 2025.
– إمبراطورية فسادستان “رواية” عن دار نون4: الطبعة الأولى 2023، الطبعة الثانية 2025.

– غراب وصنمان “رواية” عن دار نون4: الطبعة الأولى 2024، الطبعة الثانية 2025.
– الرئيس شريكاً “قصص” عن دار نون4: الطبعة الأولى 2024، الطبعة الثانية 2025.
– فولار وعصا غليظة “يوميات” عن دار خطوة: الطبعة الأولى 2024، الطبعة الثانية 2025.

– يوميّات حمار وقطّ “يوميات” عن دار نون4: الطبعة الأولى 2024، الطبعة الثانية 2025.
– ثقافة الهيمنة “دراسة” عند دار نون4: الطبعة الأولى 2023.
– أفلام تحت المجهر “دراسة” عن دار نون4: الطبعة الأولى 2024.
– الرصد الإعلامي “إعداد” عن دار خواطر: الطبعة الأولى 2024.
– الاتصال المؤسساتي “إعداد” عن دار خواطر: الطبعة الأولى 2024.
– ثورة القوارض “رواية” عن دار نون4: الطبعة الأولى 2025.

آخر الأخبار
بمشاركة 740 شركة... "بيلدكس" يعزز فرص التعاون في قطاع الإعمار تعزيز التعاون التربوي بين سوريا و"الألكسو" إعادة الإعمار بوابة التنمية لسوريا الجديدة.. باحث اقتصادي لـ"الثورة": تحولات اقتصادية قادمة فرنسا تُعلن تضامنها مع "الخوذ البيضاء" وتؤكد استمرار دعمها للمدنيين السوريين تعثر سدادها يهدد سيولة المصارف وتجميد القروض.. ديون المُسرَّحين.. بين مطرقة البنوك وسندان البطالة دمشق وأنقرة.. حرص مشترك على تعزيز التعاون وترسيخ الاستقرار من إدلب إلى دمشق غيث حمور شعرت أنّني أوقّع على جسدي لا على الورق ضمن خطتها لإعادة الهيكلة.. الداخلية تُعلن أسماء قادة الأمن الداخلي الجدد في المحافظات 64 عائلة سورية تبدأ بالعودة من مخيم "مريجيب الفهود" بالأردن فوهات مطرية بإطارات مطاطية في اللاذقية معالجة ازدحام تقاطع جديدة الفضل والبلد الدروس الخاصة ..ضرورة ذو حدين  أساتذة النخب الأول.. في الصدارة الدروس الخصوصية والمكثفات ..تجارة رابحة وكابوس على الأهالي  الهلال الأحمر بالقنيطرة يدعم مصابي الألغام تراخيص مؤقتة لألعاب العيد في دمشق تدشين محطة ضخ تفريعة جديتي للمياه في طرطوس منحة زراعية لقرى بحمص مصادر في القنيطرة لـ" الثورة": لا صحة لسيطرة قوات الاحتلال على مبنى المحافظة مبقرة "فديو" .. إنتاج وفير وصعوبات بالجملة غالٍ على المستهلك ورخيص عند الفلاح.. المشمش في حمص بين تحكم السماسرة وضعف التسويق