الثورة – ناديا سعود:
رعاية الأمومة والطفل هي حجر الأساس لصحة الأجيال القادمة، فهي لا تقتصر فقط على توفير الرعاية الطبية، بل تشمل الجوانب النفسية والاجتماعية التي تضمن نمواً صحياً وسليماً للأطفال، ودعماً شاملاً للأمهات خلال رحلة الحمل والولادة وما بعدها.
تهدف هذه الرعاية إلى تحسين صحة الأمهات وتقليل معدلات وفيات الأطفال من خلال تقديم التوعية الصحية، التغذية السليمة، والمتابعة الطبية الدورية، كما تعزز البرامج الخاصة برعاية الأمومة والطفولة قدرة الأمهات على التعامل مع التحديات المختلفة، مما يساهم في بناء مجتمع أكثر استقراراً وتقدماً.
رغم التحديات
مدير مستشفى الزهراوي الدكتور نضال ياسين مفتاح، أوضح لـ”الثورة” أن المستشفى يقدم خدماته بشكل جيد ضمن الظروف الحالية، مشيراً إلى أنه لا يتم تحويل أي مريضة إلى مستشفيات أخرى إلا في حالات طارئة جداً أو في حال تعذّر توفير الرعاية المناسبة داخل المستشفى.
وبين أن المستشفى يُعَدّ مركزاً متخصصاً بالتوليد وحالات الحمل عالية الخطورة، وتبدأ خدمات الرعاية من لحظة تشخيص الحمل مروراً بمتابعة دقيقة خلال فترة الحمل في عيادة رعاية الحوامل، والتي تقدم المشورة الطبية والخدمات الصحية اللازمة.
وبين د. مفتاح أن المريضة تُقبل في المستشفى عند بدء المخاض، ويتم التعامل مع حالتها بعناية فائقة حتى لحظة الولادة، وتُتابع بشكل لصيق لضمان أفضل النتائج للأم والمولود، مشيراً إلى استمرار المتابعة بعد الولادة لفترة معينة للتأكد من سلامة الأم والطفل، مع إمكانية مراجعة المستشفى لاحقاً في حال ظهور أي مضاعفات أو لمتابعة حالة الطفل في عيادة حديثي الولادة التابعة للمستشفى.
وأشار إلى أن حالات الحمل عالية الخطورة تُدار من قبل فريق طبي يضم اختصاصيين ومقيمين، يعملون وفق بروتوكولات طبية عالمية، ويضعون خطة علاجية مفصلة لكل حالة لضمان سلامة الأم وجنينها، مؤكداً أن هذه الحالات تحظى بعناية خاصة نظراً لدقتها وحساسيتها.
نقص كادر التمريض
يضم الكادر الطبي في المستشفى- حسب د. مفتاح، 14 اختصاصيا للنسائية والتوليد، إلى جانب 3 اختصاصي أطفال وعددا جيدا من الأطباء المقيمين، منوهاً بوجود نقص في الكادر التمريضي المتخصص في قسم الأطفال، وهو ما تسعى إدارة المستشفى إلى تداركه في أقرب وقت لضمان تقديم خدمة مثلى للمواليد الجدد.
أما قسم الحواضن، فيمتلك ثلاث حواضن مجهزة بثلاثة أجهزة تنفس صناعي، وتقوم بعملها بكفاءة عالية بفضل جهود الأطباء والممرضين، رغم التحديات المتعلقة بعدد الكوادر، إلا أن القدرة الاستيعابية تبقى محدودة.
ولفت مدير المستشفى إلى أن الزهراوي، كغيره من مستشفيات القطر، يعاني من نقص كبير في المعدات الطبية وبعض أنواع الأدوية خلال فترات متقطعة، إلا أن الإدارة تبذل جهوداً كبيرة لتجاوز هذه الصعوبات بالتعاون مع مديرية الصحة والمنظمات الخيرية.
وفيما يخص وفيات الأمهات، قال: د. مفتاح: إن المستشفى سجل ثلاث وفيات من أصل 5400 ولادة، وكانت جميع الحالات نتيجة الولادة المنزلية وما تبعها من نزف حاد، ووصلت المريضات متوفيات إلى المستشفى، أما بالنسبة لوفيات الأطفال، فتتراوح النسبة بين 15 إلى 17 وفاة لكل ألف ولادة، وغالباً ما تكون الأسباب ناتجة عن تشوهات خلقية أو صدمات إنتانية لاحقة للقبول في الحواضن.
وأكد على جاهزية الطاقم الطبي في التعامل مع الحالات المعقدة والحرجة، مشيراً إلى التعاون المستمر بين الاختصاصيين، وإلى الدور الإيجابي الذي تلعبه المنظمات الداعمة، كما عبّر عن أمله بتأمين المستلزمات الطبية والدوائية بشكل منتظم، ومعالجة أزمة الكهرباء التي تُعدّ من أولويات العمل حالياً، إلى جانب الحاجة الماسة لصيانة المعدات المتوفرة في المستشفى.
الرعاية تبدأ قبل الحمل
الدكتور أمين درويش- اختصاصي نسائية وتوليد يشرح أهمية رعاية الأمومة والطفولة والتي تمثل حجر الزاوية في تحقيق مجتمع سليم ومعافى، مشيراً إلى أنها تشمل كل الإجراءات والجهود التي تبذلها المؤسسات الصحية لضمان سلامة وصحة الأمهات والحوامل والأطفال.
وأوضح أن الجهات المعنية بهذه الرعاية تتنوع بين منظمات الصحة الإنجابية التابعة لمنظمة الصحة العالمية، ووزارة الصحة، والمراكز الصحية العامة والخاصة، إضافة إلى المؤسسات الدولية مثل الصليب الأحمر والهلال الأحمر، والمؤسسات الخيرية والعيادات الطبية بمختلف اختصاصاتها (نسائية وتوليد، أطفال، طب الأسرة والمجتمع).
وحسب د. درويش، تنقسم أهداف رعاية الأمومة والطفولة إلى مستويين:
المستوى الأول، يركز على دعم صحة الأم خلال مراحل الحمل والولادة وفترة الإرضاع، مع تقديم التوعية والاستشارات اللازمة لضمان مرور هذه المراحل بأمان.
المستوى الثاني، يتمحور حول توفير بيئة آمنة للأسرة، وحماية الأم والطفل معاً من مختلف أشكال الأذى والضرر.
وأشار إلى أهمية الخدمات الاجتماعية المقدمة للأمهات والحوامل، ولاسيما في المناطق النائية، والتي تتضمن التوعية بأهمية الإرضاع الطبيعي، وأساليب العناية بالطفل وتغذيته خلال الأشهر الستة الأولى من عمره.
ومن أبرز مقومات دعم صحة الطفل- بحسب درويش- توفير البرامج الوقائية كحملات التلقيح، والفحوصات الطبية الدورية، إضافة إلى تثقيف الأمهات حول كيفية حماية الأطفال من الأذى، بما في ذلك التحرش، وضرورة توفير بيئة تعليمية مناسبة لليافعين لتشجعهم على حماية أنفسهم وتوعيتهم بحقوقهم.
وتطرق إلى مفهوم “الأمومة الآمنة”، مؤكداً أنها تبدأ باستشارة ما قبل الحمل، وتستمر حتى انتهاء فترة الإرضاع، بهدف ضمان صحة الأم والطفل، وتشمل أهدافها تقليل معدلات وفيات الأمهات الناتجة عن مضاعفات الحمل والولادة، وتوفير الرعاية الصحية الشاملة، وتعزيز مفهوم الصحة الإنجابية من خلال خدمات تنظيم الأسرة والإرشاد الصحي.
ومن أبرز مكونات الأمومة الآمنة- حسب درويش: تنظيم الأسرة، الرعاية قبل وأثناء وبعد الولادة، مكافحة الأمراض المنقولة جنسياً، تأمين جميع متطلبات الصحة الإنجابية، وهنا يبرز دور المؤسسات المعنية بالأمومة الآمنة ومن بينها (Escwa) وهي مؤسسة اقتصادية اجتماعية لغرب آسيا تابعة للأمم المتحدة، وصندوق الأمم المتحدة للسكان (UNFPA)، مؤكداً على ضرورة التعاون بين المؤسسات الحكومية والمجتمعية والدولية من أجل حماية الأطفال، وضمان حقوقهم، ورعاية صحتهم الجسدية والنفسية، مما يسهم في بناء أجيال سليمة وقادرة على المشاركة الفاعلة في المجتمع.