الثورة – جاك وهبه:
بعد سنوات من العزلة الاقتصادية والعقوبات الغربية التي شلّت حركة الاستثمار والتوريد في سوريا، شكّل معرض “بيلدكس 2025” منعطفاً حاسماً باتجاه إعادة إحياء قطاع البناء والتشييد. المعرض فتح نافذة عملية على مرحلة إعادة الإعمار، التي بدأت معالمها تتشكل فعلياً بعد تراجع القيود الدولية ودخول البلاد تدريجياً في مرحلة تعافٍ اقتصادي.
المعرض لم يكن مجرد منصة عرض تقني، بل جسّد مؤشراً على انفتاح السوق السورية مجدداً أمام رؤوس الأموال المحلية والخارجية، واستعداد الشركات للدخول في سباق التطوير العمراني.
التحول الاقتصادي
أهمية “بيلدكس” في هذا التوقيت تتجاوز رمزيته السنوية، فالمعرض اليوم صار منصة استراتيجية لتلاقي القطاعين العام والخاص، واستعراض الحلول الجديدة في مجالات الطاقة والبناء والتقنيات الذكية، وجاءت مشاركات هذا العام بمستوى عالٍ من الاحترافية، وسط اهتمام واضح من الشركات بالاستثمار طويل الأمد، في بلد يحتاج إلى بنية تحتية جديدة بالكامل، من المساكن والمدارس إلى المنشآت الصناعية.
العودة تبدأ من بيلدكس
في أول مشاركة رسمية لها في سوريا، اختارت “باوبلاست” العاملة في مجال تصنيع أنظمة النوافذ والأبواب البلاستيكية (UPVC) ومستلزمات البناء، أن تكون حاضرة في “بيلدكس” بعد أكثر من 15 عاماً من العمل في تركيا، في خطوة رمزية لكنها ذات دلالة كبيرة.
المهندس أحمد الخلف، ممثل الشركة في سوريا، قال في تصريح خاص لصحيفة الثورة: “عدنا إلى سوريا لأننا نؤمن أن مستقبلنا هنا، اخترنا بيلدكس كبداية، لنضع خبراتنا ومنتجاتنا في خدمة عملية الإعمار، منتجاتنا مصممة لتدوم أكثر من 40 سنة، وبضمان حقيقي على اللون والخصائص الفيزيائية لمدة 25 سنة، نحن نملك المعرفة، والآن نمتلك الإرادة”.
وأضاف: “رغم التحديات، من ارتفاع الرسوم إلى مشاكل الكهرباء، نحن نخطط للتوسع، ولدينا رؤية واضحة لتقديم حلول عزل حراري وصوتي متطورة، وأنظمة زجاج دبل وتربل تناسب احتياجات السوق السوري”.
طلاء بإرادة وطنية
أما شركة “أرت فيلد” لصناعة الدهانات فقدمت نفسها كنموذج لصناعة محلية واعية، لا تكتفي بالإنتاج بل تمارس مسؤولية اجتماعية واضحة.
المدير التنفيذي للشركة حمزة أرشيد، قال: “مشاركتنا في بيلدكس ليست بهدف البيع فقط…نحن هنا لنعيد الثقة بالصناعة السورية…طوّرنا منتجات تعتمد على معايير أوروبية، ولكن بتكيّف ذكي مع البيئة السورية…وقد نجحنا في تصنيع طلاء كان يُستورد بالكامل – مثل منتج ‘إن تايب’ – وهذا بحد ذاته خطوة نحو الاكتفاء الذاتي”.
كما أضاف: “نحن لا نجمّل الجدران فقط، بل نعيد رسم ملامح ثقة الناس بقدرتنا على صناعة شيء محلي، محترف، ومنافس”.
بطاريات للمستقبل
وفي مجال الطاقة البديلة، برزت شركة عبد الجليل، الوكيل الحصري لشركة “بونيرجي” الصينية، بتقديمها حلولاً تقنية حديثة في مجال تخزين الطاقة.
ممثل الشركة جمعة عبد الجليل، قال: “بيلدكس منحنا فرصة مباشرة للتواصل مع السوق، وتوضيح الفارق بين بطاريات موثوقة بكفالة حقيقية، وبين السوق الرمادية التي تعاني من الغش والتجديد… نحن نقدّم بطاريات ليثيوم بكفاءة عالية وضمان خمس سنوات، مع نظام حماية داخلي ضد الحرارة والاحتراق.”
وعن تغير المناخ الاستثماري، أضاف: “اليوم تغيّر المشهد الجمركي كثيراً…لم تعد هناك عراقيل كما في السابق، وهذا ما يفتح باباً أمام توسعنا المستقبلي…لدينا 15 فرعاً، وسنتوسّع أكثر لأن الطلب على الطاقة البديلة في ازدياد مستمر”.
بيلدكس 2025 لم يكن مجرد معرض، بل إعلان فعلي لانطلاق مرحلة اقتصادية جديدة، تستند إلى مبادرات حقيقية وشركات تؤمن بالدور الوطني للاستثمار. من الصناعات الخفيفة إلى أنظمة الطاقة، بدت ملامح سوريا القادمة تتشكل، لا بوعود الإنشاء، بل بخطط واقعية ومسؤولية وطنية.
وكانت قد انطلقت فعاليات الدورة الـ22 لمعرض “بيلدكس” الدولي للبناء، مساء أمس الثلاثاء، في مدينة المعارض بدمشق، بمشاركة واسعة ضمت 740 شركة من سوريا و17 دولة، بينها 112 شركة تركية و28 أردنية و20 سعودية.
ويُعد المعرض الأكبر في سوريا ضمن القطاع الاقتصادي، ويقام برعاية وزارات الأشغال العامة والإسكان، والاقتصاد، والصناعة، مستمراً حتى 31 أيار، يشمل المعرض قطاعات البناء والتشييد، الطاقة، التقنيات الحديثة، والمفروشات، ويُعد منصة رئيسية لدعم مرحلة إعادة الإعمار والانفتاح الاقتصادي بعد سنوات من الحصار.