شهادة التعليم الأساسي أم الإعدادية؟ د. المعري يضع اللوم على كلية التربية.. والوزراء هم السبب بتراجع العملية التربوية
الثورة – حوار هلال عون:
دائم الحرص على اللغة، دائم الحرص على المناهج التعليمية، هو الدكتور شوقي المعري الذي لا يفتأ يتابع كل ما يتصل بالعملية التعليمية، يصحح الخطأ أينما وقع، يوجه المؤسسة التعليمية أياً كان مستواها، ولا همَّ له إلا ما يجعل العملية التعليمية في أحسن حال.
اليوم نطرح عليه بعض الأسئلة حول الشهادة الإعدادية التي تحولت إلى شهادة التعليم الأساسي، نقرأ وجهة نظره من خلال إجاباته عن أسئلتنا.
انقسام في الرأي
– ما الذي دفع وزارة التربية منذ بضع سنوات إلى دمج المرحلتين الابتدائية والإعدادية؟ أو إعادة توزيع صفوفهما في مرحلتين: الأولى من الأول حتى الرابع، والثانية من الخامس حتى التاسع، وتحول اسمها إلى “شهادة التعليم الأساسي”؟
– سؤال لم أجد الإجابة المقنعة عنه عند أحد، بعد أن انقسمنا كالعادة فئتين فئة أيّدت الخطوة وباركتها والثانية عارضت، وأنا من الثانية.
ومن الإجابات التي كنت أسمعها، ولكنها لم تقنعني أن مصطلح “التعليم الأساسي” يعني أن الطالب سيؤسَّس على أرض صلبة، وهذا يفرض علينا السؤال التالي، هل نحن فعلاً نؤسس طالبنا بمكونات العلم والتربية، وهل مناهجنا تفي بهذا الغرض؟
الجواب: لا.. بل إن عملية التعليم في سوريا تراجعت خطوات كثيرة إلى الوراء منذ عقود، وهذا ليس رأيي وحدي، بل رأي كل من يتابع العملية التربوية.
– ما الأسباب؟
– إن أسباب تراجع العملية التربوية كثيرة؛ يأتي في مقدمتها طريقةُ التعليم التي انتقلت من حالة إلى حالات كثيرة، فكأنها انشطرت ثم تشعبت فتمزقت.. كل هذا بسبب ما تفتقت به عقول المسؤولين الذين تسلموا مناصب عديدة في وزارة التربية سابقاً وفي مقدمتهم الوزراء.
قلت مرة: لقد تراجعت العملية التعليمية منذ أن صارت الوزارة تحت سيطرة كلية التربية، إذ استلم الوزارة عدد من الوزراء الذين يحملون الدكتوراه في التربية؛ ظناً منهم أن لفظ التربية هو المناسب للوزارة، بل إن بعض الوزراء صار يفرض شروطه على تعيين المعاونين أو المديرين فلم يكن يقبل إلا من يحمل الدكتوراه ولاسيما في التربية..!
إن تسلّط كلية التربية على معظم مفاصل الوزارة جعلها تفرض على مناهجنا نظريات أجنبية، وهذا من أسوأ الأسباب التي أدت إلى تراجع العملية التدريسية.
وإني لأعجب من هذا كيف نستورد نظرية أجنبية ونطبقها على وزارة عربية، ولاسيما في سورية؛ إنها كالثوب الأجنبي الذي نلبسه لابن الريف أو البادية أو المدينة أو العاصمة التي لا تنتسب لذاك البلد.. ومن قرأ تلك النظريات وجدها في معظم مناهج كلية التربية.
صحيح أنه من الواجب علينا الاطلاع على النظريات الأجنبية، ولكن لا يجوز الأخذ منها إلا بما يناسب مناهجنا لا التعميم الذي وقع.
– وهل اعتمدت المناهج قديماً أي نظرية أجنبية؟
= لا.. ومع هذا كنا نفاخر بمستوى تلك المناهج، وكنا دائماً نترحم على التعليم الذي كان قبل عقود، وكلنا يعترف بجودته والدليل تخرج الأجيال ومستوى العلم عندهم.
وكلنا يعلم أن ثمة فئة من المعلمين كان يسمح لها أن تدرِّس وهي لا تحمل إلا الشهادة الإعدادية، وهذا دليل التميز الذي كان.
وكلنا اكتشف في العقود السابقة أن الكثيرين ممن يدرِّسون يحملون الشهادات العليا، ومع هذا لم ينجحوا في تدريسهم، ولم يقدموا ما يجب عليهم أن يقدموه.
كالوجبات السريعة
– نعود للحديث عن الأمر التقني في عملية دمج المرحلتين، أريد رأيك الشخصي؟
= أقول، وهذا رأيي الشخصي: إن اعتماد شهادة التعليم الأساسي الشهادة الأولى للطالب هو دليل سلبي عن حالتنا التعليمية، فنحن نعترف ونقر أن هذا الطالب لم يحصّل علماً في خلال تسع سنوات وقبلها رياض الأطفال والحضانة.
وإذا ما علمنا أن المستوى الذي يصل إليه الطالب في التاسع هو مستوى ضعيف اكتشفنا التراجع المخيف في المستوى العلمي والتعليمي.
ليس في حيازة الطالب هذه الشهادة دليل صحي فيه العافية.. وكلنا عاين أولاده وأحفاده وغيرهم.. وكلنا لاحظ أن هذا الطالب ما أخذ من العلم إلا أقله.
وهذا القليل وصله بطرق تعليمية ليست بالمستوى المطلوب، فالمادة التي يحصل عليها ضحلة.. تقدم له بطريقة تجارية كالوجبات السريعة.. سرعان ما ينساها بعد أن يتخرج في صفه.
إعادة البناء التعليمي
– وما الحل..؟
= إذا كان لا بد من حل فلنعمل على إعادة النظر في كل العملية وإعادة بنائها بما يليق بالعلم. بدءاً من تهيئة المعلم المناسب أو الناجح وانتهاء بالمنهاج مروراً بطرق التدريس والامتحانات.. وهذا يتطلب من الجميع المشاركة في عملية إعادة البناء التعليمي.
أولاً: نبتعد عن الواسطة في تعيين المدرسين.
ثانياً: إعادة تأليف مناهج تعليمية بمستوى معرفي عال.
ثالثاً: تشكيل لجان التأليف والتقويم التي عندها من العلم والمعرفة ما يفيد الكتاب المدرسي.
رابعاً: أن نعيد مصطلح الابتدائية والإعدادية إلى وزارة التربية، فلعلنا نعيد ما افتقدناه في كل شيء من التعليم.
فلنعد للشهادة الابتدائية ألقها وللإعدادية ألقها، وليكن لكل فئة ما يميزها علماً ومعرفة، فيشعر من يحوز إحداها بأنه يحمل شهادة تؤهله لما قرر لها.