الثورة- ترجمة هبه علي
إن رفع العقوبات يضع الأساس لعصر جديد في سوريا، ولكنها عملية بطيئة ومتعددة المراحل تتشكل من خلال القيود القانونية والسياسية والمؤسسية.
اتخذت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي خطوات كبيرة لإلغاء أنظمة العقوبات المفروضة على سوريا، حيث أعلنت واشنطن عن إعفاءات شاملة في 23 أيار الماضي، وتبعتها أوروبا إلى حد كبير في 28 من الشهر نفسه.
وفي حين تتقدم هذه الجهود بسرعة، فإن تعقيد أنظمة العقوبات القائمة، والشروط، والغموض المتبقي، كلها تسلط الضوء على أن هذه العملية سوف تستغرق وقتا، حيث تظل سوريا واحدة من أكثر الدول خضوعاً للعقوبات بعد ما يقرب من ستة أشهر من انهيار نظام الأسد السابق في كانون الأول الماضي.
ومع ذلك، فإن القرارات الأخيرة بشأن العقوبات تشكل نقطة تحول بالنسبة لبلد يحتاج إلى دعم كبير، وتضع الأساس لعصر جديد بعد الصراع في سوريا الذي استمر ما يقرب من 14 عاماً.
في الواقع، يشكل تعقيد العقوبات المفروضة على سوريا تحديات جسيمة، وتتطلب الجهود التقنية لرفعها ومراجعة آلياتها دقة وعناية، ولاسيما أن العقوبات الفردية المفروضة على شخصيات النظام السابق يجب أن تبقى سارية، وهو أمر ركزت عليه أوروبا بشكلٍ خاص في إعلانها عن إلغائها.
وحتى في ظل ظروف أقل تقييداً، فإن أي تخفيف لهذه القرارات سوف يستغرق بعض الوقت حتى يظهر، وقال فيتوريو ماريسكا دي سيراكابريولا، كبير محللي العقوبات في شركة كرم شعار الاستشارية المحدودة، لوكالة أنباء تاس: “في الممارسة العملية، فإن تخفيف العقوبات هو عملية بطيئة ومتعددة المراحل تتشكل من خلال القيود القانونية والسياسية والمؤسسية”، وأوضح أن “الإلغاء الفعلي يتطلب تحديث الأدوات القانونية، وإصدار تراخيص جديدة، ومراجعة قوائم العقوبات”.
تشكل عقوبات واشنطن على سوريا تحدياً فريداً، إذ تخضع لآليات قانونية متعددة، وتشمل هذه الآليات الأوامر التنفيذية، وقوانين الكونغرس مثل قانون قيصر، والعقوبات المتعلقة بالإرهاب بموجب تصنيف المنظمات الإرهابية الأجنبية، وتصنيف الإرهابيين العالميين المصنفين خصيصاً، وتصنيف الدولة الراعية للإرهاب لعام ١٩٧٩.
إن الطبيعة المحددة زمنياً لإعفاء قيصر من العقوبات سوف تعيق النشاط الاقتصادي والاستثمار في سوريا، ما يجعل إلغاؤه بالكامل من خلال الكونغرس الأمريكي أمراً ضرورياً للمضي قدماً.
على الرغم من الإعلانات الأخيرة الصادرة عن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، لا تزال معظم القنوات المصرفية الرسمية مجمدة، وقد أدى ذلك إلى تجاوزات واسعة النطاق من جانب البنوك الدولية، ما أدى إلى عرقلة حتى المعاملات المسموح بها، مثل التحويلات المالية والمساعدات الإنسانية، كما أوضح سيراكوبريولا.
وتواجه الجهود الرامية إلى تحسين الاقتصاد السوري، قيوداً كبرى بسبب تأثير الحرب الدائرة منذ 14 عاماً، والفساد والمحسوبية المستشرية فيها، والانهيار الاقتصادي في لبنان، وهجرة الأدمغة.
ويرى خبراء آخرون، من بينهم كبير محللي الشؤون السورية في مجموعة الأزمات الدولية الدكتور ننار حواتش، بحسب ما ذكرت وكالة الأنباء التركية الرسمية (TNA)، أن هناك حاجة إلى جهود موازية لمعالجة القضايا المتشابكة في سوريا، ومن الناحية النظرية، يمكن لمثل هذه الخطوات أن تجتذب العمالة ذات المهارات العالية في حين تعمل تدريجيا على استعادة النشاط الاقتصادي للبلاد.
وأكد سيراكابريولا أن العقوبات، وخاصة تلك المفروضة على القطاع المصرفي، أعاقت عملية التحول في سوريا، حيث أدى الإفراط في الامتثال من جانب البنوك الدولية إلى منع حتى التحويلات المالية والمساعدات الإنسانية.
“إن الخطر لا يتمثل في الشلل الاقتصادي فحسب، بل في ترسيخ التمويل غير الرسمي، وتعميق الغموض المالي، ودفع البلاد بشكل أكبر إلى فلك إيران وروسيا”.
ولعل فهم هذه النقطة الأخيرة يتلخص في أن القانون GL 25 لا يجيز صراحة إجراء معاملات مع روسيا أو إيران أو كوريا الشمالية- المنافسين الرئيسيين للولايات المتحدة.
في نهاية المطاف، ينبغي على القادة الغربيين النظر في فوائد تقديم أقصى قدر من الإغاثة لسوريا اليوم، إذ إن البلاد أساسية لاستقرار المنطقة، وشعبها يستحق ويحتاج إلى الإغاثة.
وبينما يمكن للغرب أن يلعب دورًا إيجابيًا، لا ينبغي له أن يفرض مطالب تعسفية عديدة تُذكر بحملات بناء الدولة الفاشلة سابقًا.
بل ينبغي أن يكون منح السوريين الأدوات والوصول اللازمين لدفع عجلة التحول في بلادهم في صميم التفكير السياسي الغربي، وينبغي أن يُعطى تمكين الدول الإقليمية المهتمة بالاستثمار في إعادة إعمار سوريا الأولوية في هذا المسعى.
وهذا يعني إعطاء الأولوية لتخفيف العقوبات بشكل ذكي وسريع وشامل، وتقديم التوجيه للمنظمات الدولية وقادة الأعمال، مما يفتح الأبواب أمام إعادة الإعمار الإقليمي في البلاد.
المصدر_ The New Arab