“فخ البلاغة” وفلسفتها.. هل يصمت النص الدرامي؟

الثورة – حسين روماني:

في كل موسم درامي، تعود الوجوه ذاتها إلى الشاشة، وتتناوب الحكايات على نسج الواقع السوري بألوان مختلفة، لكن ثمّة ما يشبه الإجماع في الشارع الثقافي أن النصوص تعاني، فالممثلون مجتهدون، والمخرجون لا يخلو بعضهم من الحرفية، أما النص، فهو غالباً ما يكون الحاضر الغائب، أو الحاضر المرهق بتراكيب لفظية لا تقول شيئاً، ومفاهيم كبيرة لا تجد ما يسندها.
الدراما السورية، التي لطالما تميزت سابقاً بقوة النص وتماسك الحوارات، تواجه اليوم أزمة مركبة تتعلّق ببنية الكتابة ذاتها، فالنص لم يعد مركز الثقل كما كان، بل أصبح مجرد جزء من عجلة الإنتاج، يُنجز على عجل، يُعدّل أثناء التصوير، أو يُستخدم كحامل لشعارات اجتماعية جاهزة.

حين تتحوّل اللغة إلى ديكور

كثير من الأعمال الحديثة باتت تفيض بحوارات طويلة، مكثّفة، لكنها في جوهرها خاوية.. جمل ذات وقع لغوي ثقيل، ومفردات أكبر من السياق، يستخدمها الجميع بنفس الطريقة: الطبيب، وسائق التاكسي، ورجل الأمن، والمرأة، وكأنما الكُتّاب باتوا يكتبون لأنفسهم، لا للشخصية.
الخطورة هنا لا تكمن في فخ “البلاغة”، بل في الانفصال التدريجي عن الواقع، وعن لغة الناس، وعن روح اللحظة، فما معنى أن يتحدث شاب عشريني بلغة فيلسوف، أو أن يفيض كل مشهد بحكمة جاهزة وكأننا في دفتر إنشائي مدرسي؟ هذه الحوارات لا تعبّر عن عمق، بل عن فقر في المعالجة، وتعويض عن غياب الحدث بالحشو الكلامي.
نصوص متسرعة.. وسرديات مضطربة
في ورشات الكتابة السريعة، التي انتشرت في السنوات الأخيرة لتلبية الحاجة الإنتاجية المتزايدة، غالباً ما يُجزّأ النص بين أكثر من كاتب، أو يُكتب دون خريطة درامية متماسكة، النتيجة تكون أعمالاً تسير في خط متعرج: حلقة أولى واعدة، تتبعها حلقات مشتتة، ونهاية مبتورة أو “مفتوحة” بلا مبرر درامي.
ويزداد الأمر تعقيداً عندما يتدخّل المنتج أو المخرج في “تعديل” النص أثناء التصوير، بدافع تلبية شروط السوق، أو مراعاة نجم معين، أو التخفيف من “الحساسية الرقابية”. هنا، لا تعود الكلمة سلطة، بل تصبح ضحية تنازلات لا تنتهي.

بين الماضي والآن: أين اختفى الكُتاب الكبار؟

في العقود الماضية، كانت أسماء مثل الراحل حسن سامي يوسف، نهاد سيريس، هالة دياب، وريم حنا تُعرف بقوة نصوصها، وبصمة كل منها في اللغة والرؤية. كانت الكتابة فعلاً ثقافياً، يتجاوز الترفيه ليخاطب الوعي. اليوم، في ظل انحسار هذه الأسماء أو قلة إنتاجها، لا يبدو أن ثمة جيلاً جديداً يمسك العصا من المنتصف.
الكتابة الدرامية ليست حرفة فقط، بل ثقافة واطلاع ومهارة نفسية في فهم الإنسان والمجتمع. لذلك، فإن ضعف النص لا يرتبط بعدم وجود كتّاب، بل بندرة الكتّاب الذين يملكون مشروعاً ثقافياً في الكتابة، وليس فقط مشروعاً للتواجد في السوق.

ورشات تطوير لا “ورشات تسليم”

الأزمة ليست تقنية فقط، بل بنيوية. فالسوق الدرامي لا يمنح النص وقتاً للنضوج، ولا يهيّئ بيئة تطوير حقيقية كما يحدث في دول مجاورة. المطلوب اليوم ليس فقط أن نكتب أكثر، بل أن نكتب أبطأ وأعمق.
ورشة كتابة حقيقية، لا تعني تقسيم الحلقات على كتّاب عدّة فقط، بل خلق بيئة نقاش، وبحث، وتطوير للشخصيات، وتحليل للمجتمع الذي يُروى، فالدراما السورية بعد الحرب، ومع كل هذا التحول السياسي والثقافي، تحتاج إلى من يكتبها كـ”وثيقة فنية” لا كمنتج رمضاني فحسب.

هل النص ضحية المنتج أم المتفرج؟

ثمّة من يقول: إن الجمهور تغيّر، وإن المتفرج اليوم يريد “إيقاعاً سريعاً”، و”حوارات مباشرة”، ولا وقت لديه للتفكير أو التأمل. هذا الطرح فيه شيء من التبسيط وحتى التهرب. فالجمهور السوري – كما العربي – أثبت مراراً أنه ينجذب إلى العمل الصادق، العميق، مهما بدا بسيطاً في شكله.
كما أن تحميل المنتج كل العبء مجحف، لأن جزءاً كبيراً من الأزمة يكمن في انحسار ثقافة الكتابة ذاتها، وتحوّل بعض الكتّاب إلى “متعهدي تسليم”، لا كُتّاب مشروع. وبين هذا وذاك، تضيع الحقيقة.

نحو نص يعيد التوازن

الدراما السورية، لكي تستعيد مكانتها، تحتاج أن تُعيد النص إلى مركز العمل، أن تؤمن أن الحكاية الجيدة هي حجر الأساس، وأن الكلمة الصادقة قادرة أن تسبق الصورة. فليس المطلوب كتابة “كبيرة”، بل كتابة صادقة، تعيش طويلاً لأنّها تخرج من نبض الناس لا من مكتبات الجمل الجاهزة.
وإذا أردنا مستقبلاً درامياً يحمل ملامح سوريا الجديدة، فلا بد أن نبدأ من الجذر.. من النص، من الفكرة الأولى، من الحرف الأول، من الحكاية التي تقول شيئاً وتترك أثراً.

آخر الأخبار
تشكل محطةً فارقةً في مسار العلاقات .. الشيباني يصل إلى واشنطن في زيارة رسمية وصول أول باخرة تحمل 50 ألف طن من الأرز قادمة من الصين.  بدعم أردني – أميركي.. الخارجية تعلن خريطة طريق شاملة لإعادة الاستقرار إلى السويداء  "نحو إنتاج زراعي اقتصادي".. في ورشة عمل بحمص  زيارة ميدانية ودعم لاتحاد الشرطة الرياضي  سوق المدينة يعود إلى " ضهرة عواد " بحلب  "وجهتك الأكاديمية" في جامعة اللاذقية.. حضور طلابي لافت وفد سعودي في محافظة دمشق لبحث فرص الاستثمار بتخفيضات تصل إلى 50 بالمئة.. افتتاح معرض "العودة إلى المدارس " باللاذقية أردوغان: ملتزمون بدعم وحدة واستقرار سوريا  الذهب يواصل ارتفاعه محلياً وعالمياً والأونصة تسجل 42.550 مليون ليرة سوريا: مستعدون للتعاون مع "الطاقة الذرية" لمعالجة الملفات العالقة التأمين الصحي.. وعود على الورق ومعاناة على الأرض "تجارة ريف دمشق" تبحث مع شركة تركية توفير الأدوية البيطرية   قرار ينصف المكتتبين على مشاريع الإسكان مراقبون تموينيون جدد .. قريباً إلى الأسواق  جاليتنا في "ميشيغن" تبحث مع نائب أميركي الآثار الإنسانية للعقوبات  "الشيباني والصفدي وباراك" يعلِنون من دمشق خطة شاملة لإنهاء أزمة السويداء 4 آلاف طن  إنتاج القنيطرة من التين خطاب يناقش مع لجنة التحقيق بأحداث السويداء المعوقات والحلول