بقلم رئيس التحرير- نور الدين الإسماعيل:
شدني عنوان التظاهرة التي نظمتها “المؤسسة العامة للسينما”، والذي جاء تحت اسم “تظاهرة “أفلام الثورة السورية”، فأنا لم أحضر أياً منها في السابق، وكنت شغوفاً لحضورها واستعادة أحداث أهم مرحلة في تاريخ سوريا الحديث، والتي كنت شاهداً عليها.
بعد عرض برومو مؤثر للأفلام المشاركة في التظاهرة، بدأ عرض الفيلم الأول، والذي حمل اسم “نزوح”، والذي يتناول -وفق المخرجة سؤدد كعدان- قضايا اجتماعية برسائل غير مباشرة، خلال فترة الحصار الذي عاشته بعض المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري المخلوع خلال الأعوام الماضية.
يروي الفيلم قصة عائلة سورية في منطقة محاصرة، والصراع بين زوجين حول ضرورة النزوح من المنطقة التي ستقتحمها قوات الأسد، مع طرح قضية اجتماعية كثُر الحديث عنها خلال فترة “الثورة السورية”، “الزواج المبكر”.
في المشهد الذي صوّر قصف منزل العائلة، عادت بي الذاكرة إلى لحظة استهداف الحي الذي كنت أقيم فيه بمدينة إدلب، صباح الثاني من كانون الأول الماضي، وكيف كُتب لي ولعائلتي النجاة من موت محتم، فلم أستطع أن أتمالك دموعي التي تساقطت بصمت.
ومع تطور الأحداث، عرض الفيلم أحداثاً مزورة لم أسمع بها إلا من خلال رواية نظام الأسد عن “المجموعات المسلحة الإرهابية” التي “تتخذ المدنيين دروعاً بشرية”، لتبرير عمليات القتل الممنهج التي اعتمدها انتقاماً من المناطق الثائرة.
أظهر الفيلم مجموعة من الشبان المسلحين (الثوار)، يعترضون طريق المدنيين الباحثين عن طرقات تهريب للفرار بأرواحهم من قصف النظام أولاً، واقتحام تلك القوات ثانياً، ومنعوهم من ذلك بقوة السلاح، حتى أنه أظهر الشبان يرفعون السلاح في وجه المدنيين الهاربين من الموت، مهددين إياهم: “حميناكم في السابق واليوم دوركم أن تحمونا”، كيف يكون ذلك، لم توضحه مخرجة الفيلم، لكن الرسائل المسمومة وصلت للمشاهد.
أنا كسوري شاهد على مختلف مراحل “الثورة السورية” وتشعباتها وفصائلها، لم أواجه فصيلاً واحداً منع المدنيين من الفرار من الموت، بل أذكر جيداً كيف قدموا لنا المساعدة والتسهيلات للنجاة بأرواحنا في النزوح الأول من مدينة كفرنبل عام 2012، ثم النزوح الثاني عام 2019.
وفي تزوير علني ووقح أظهرت المخرجة شبان الفصائل العسكرية على أنهم جبناء يختبئون خلف المدنيين، وهو تماماً ما عمل النظام المخلوع وآلته الإعلامية على ترويجه طيلة السنوات السابقة، ولم ينجح.
زاد من قسوة المشهد قهقهاتٌ مستفزّة من بعض الحضور على مشاهد من الفيلم كانت تستدعي استحضار مشاعر الحزن والألم، لا الضحك الفجّ، فواقع العائلة تحت النار عاشه معظم أبناء المناطق الثائرة، وكانت لحظات قاسية عنوانها الخراب والدم والموت والقهر، فلا يوجد فيها ما يدفع للضحك والقهقهة بصوت عالٍ، في سقوط أخلاقي ممن لم يعش لحظات الخطر الحقيقي وتهديد الحياة.
لم أستطع إكمال الفيلم فخرجت قبل نهايته، ولكن لا أدري كيف للقائمين على التظاهرة أن يتقبلوا كل ذلك التزوير والقبح، في مرحلة بات من الضروري والملحّ جداً عرض الحقائق بصورة جلية وواضحة للمغيبين عنها، لا أن يكونوا شركاء في تزوير تاريخ، معظم السوريين كانوا شاهدين على مراحله.