الثورة- محمود ديبو:
طالب الخبير الأممي بالحوكمة الدكتور عارف طرابيشي بضرورة الفسح في المجال أمام المجالس المحلية المنتخبة ولجان الأحياء والمنظمات المحلية غير الحكومية، وفروع نقابة المهندسين لتأخذ حقها ودورها في منع ودرء الفساد في حال حدوثه.
وتطرق الدكتور طرابيشي إلى تعريف الفساد معتبراً أنه سمة من سمات الحوكمة المحلية السيئة ويعرف بأنه إساءة استعمال السلطة الموكلة للشخص لتحقيق منافع شخصية، وهنا النزاهة المهنية هي النقيض للفساد وتعرف بأنها السلوك الملتزم بالقيم بما في ذلك الصدق والشجاعة المهنية للتصرف بأمانة ومقاومة الضغوط.
وتساءل طرابيشي قائلاً: من منا يحقق هذا الشرط من النزاهة في عمله الهندسي؟؟ وعليه وجد طرابيشي أن عدم تحقيق الشروط الواردة في تعريف النزاهة وأي إخلال فيها هو فساد.
مظاهر الفساد
وضمن هذا السياق يقول: للفساد مظاهر كثيرة غير تلقي الرشوة، فهناك مخالفة القوانين والأنظمة والتساهل في ضبط الانحرافات المهنية وتنفيذ أوامر السلطات العليا بشكل غير قانوني.
فعلى المستوى المحلي للتنمية العمرانية والتخطيط التنموي فإن الفساد يبدو في إعطاء الأولوية للمشروع على حساب الأهداف التنموية، فعند وضع الخطط تأتي ضغوط أصحاب المصالح وتبدأ بحشر مشاريع ضمن الخطة، وبهذا لا يكون التخطيط قائماً على أساس إحصائيات اقتصادية واجتماعية وحضرية على حد قول طرابيشي.
ويتابع: كما أنه لا يكتفي بالمعطيات والمعلومات ومشاركة المجتمع المحلي ومنظمات المجتمع المدني، للخروج بخطة تنمية محلية مدروسة ومضبوطة، فتحصل تجاوزات غير مهنية لخدمة مشاريع خاصة، وهذا الانحياز لهذه المشاريع تمنع قيام تخطيط عمراني دقيق ويخدم أهداف التنمية.
وبرأي طرابيشي فإنه حتى لو كانت هذه التجاوزات تقوم على أساس مراعاة أوضاع بعض المواطنين، ومحاولة عدم إيقاع الضرر بأصحاب المصالح الصغيرة فإن هذا يعتبر شكلاً من أشكال الفساد المهني.
مهندسو البلديات والمكاتب الهندسية
ويتطرق إلى أنه على مستوى تنفيذ التخطيط هناك أيضاً تعديلات غير نزيهة تنتهي بتشويه التخطيط، وعند منح رخص البناء نجد هناك تلاعباً بالأنظمة ومخالفة أسس المخطط التنظيمي.
ولفت الدكتور طرابيشي إلى أن العديد من المهندسين سواء كانوا في مكاتب محافظة أو بلدية أو غيرها من الوحدات الإدارية مرروا مخالفات وعشوائيات وتفريغ أقبية وبناء أسطحة وتعديل أوصاف بناء خلافاً للواقع وتغاضوا عن عمليات البناء في المناطق الزراعية والمحميات الطبيعية.
كذلك هنالك فساد مهني ارتكب من قبل أصحاب مكاتب هندسية من خلال التوقيع على المخططات والتدقيق وأعمال الورشة بشكل أعمى أي دون التحقق منها على أرض الواقع في ورش البناء التي يشرفون عليها ومنها مثلاً (إذن صب، كشف إنجاز)، وكذلك في الدراسات الفنية وفقاً للدكتور طرابيشي.
ويشير هنا إلى مفارقة بأن المهندسين الذين مارسوا هذا الفساد المهني في أعمالهم هم من الأشخاص المميزين أخلاقياً واجتماعياً ولهم حضور مرموق في المجتمع.
محفزات الفساد وأسبابه
ويجد طرابيشي أن المسؤولية في تحفيز هذا الفساد المهني تقع بالدرجة الأولى على قطاع الأعمال وأصحاب شركات التطوير العقاري والسماسرة، ثم بالدرجة الثانية هناك أصحاب العقارات والجمعيات التعاونية السكنية، وجميع هؤلاء هم أصحاب مصالح مادية ويتطلعون إلى تحقيق أرباح مادية كبيرة من خلال مخالفة القوانين وتجاوز الأنظمة والتأثير على أصحاب القرار من خلال اختراق السلطات الحكومية المركزية (الإسكان والإدارة المحلية)، والسلطات السياسية المحلية المعينة (محافظون ورؤساء مجالس المدن)، والمهندسين الموظفين ومسؤولي التخطيط والترخيص، وكذلك الأمر بالنسبة للمكاتب الهندسية وصولاً إلى فروع نقابة المهندسين.
وعليه، بحسب الدكتور طرابيشي، لا بد من أسباب وعوامل تلعب دوراً في ارتفاع مستويات هذا النوع من الفساد أولها مسألة تدني الدخل وعدم العدالة في الدخل (تفاوت الأجور يخلق فساداً من نوع جديد)، كذلك فإن زيادة الإيرادات الحضرية المحلية على شكل مساعدات ومنح ومشاريع يرفع معدلات الفساد (تدفق المال الدولي سيزيد الفساد).
ويختم: أيضاً من أهم بؤر الفساد هي الطبيعة السياحية للمناطق المراد تنظيمها، وازدهار العمران، والاستبداد الإداري والسياسي وغياب الرقابة والمساءلة المهنية، وغياب منظومة الكودات والمعايير والأنظمة القابلة للتطبيق في البلديات، وكذلك فإن غياب رقابة المجتمع المحلي والمدني تعتبر من عوامل ارتفاع مستويات الفساد المهني في مختلف مراحل ومستويات التخطيط والتنفيذ والتنمية العمرانية.