الثورة – عبير علي:
تُعتبر الثقافة الإطار الذي يحدد هوية المجتمعات، فهي تتكوّن من مجموعة من العادات، التقاليد، الفنون، اللغة، والمعتقدات التي تحدد طريقة تفكير الأفراد وسلوكهم.
وعندما نتحدث عن تأثير الثقافة على البعد الاجتماعي، نتساءل: هل هي مجرد إضافة غير ضرورية لمجتمعنا أم هي ضرورة أساسية لا يمكن الاستغناء عنها؟ بينما تبرز أهميّة الثقافة في بناء هويّة الأفراد والشعوب، يتضح أيضاً أن تأثيراتها تتجاوز ذلك لتشمل الجوانب النفسيّة والاجتماعية.
في هذا السياق، يتناول عدد من الخبراء الاختصاصيين في مجالات مختلفة تأثير الثقافة على الأفراد والمجتمعات.
الدكتور محمد العبد الله الأستاذ في قسم علم الاجتماع بجامعة دمشق، في حديثه للثورة، يؤكد أن الثقافة ليست مجرد مجموعة من العادات والتقاليد فحسب، بل هي الكل المركب الذي يشمل كل ما يتعلق بالهوية الاجتماعية، مثل اللغة والتراث والأساطير والفلكلور.
ويشير إلى أن الثقافة هي التي تميز كل مجتمع عن الآخر، ما يعني أن الثقافة العربية، على سبيل المثال، تختلف جذرياً عن الثقافة الأوروبية، وهو ما يعكس الخصوصية الاجتماعية لكل مجتمع.
تحفيز التفكير النقدي
والسؤال هنا هل تلعب الثقافة دوراً في تحفيز التفكير النقدي لدى الأفراد؟
نعم، الثقافة تساهم بشكل كبير في تطوير التفكير النقدي وتوسيع آفاق التفكير لدى الأفراد، كما يوضّح الدكتور العبد الله، فإن الثقافة تدفع الأفراد إلى التفكير بشكل أعمق حول الواقع الذي يعيشون فيه، ما يساعدهم على فهم وتقييم الوضع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي بطرق أكثر نقديّة، لكن، كما يشير، فإن هذا النقد لا يهدف إلى الهدم أو التدمير، بل هو نقد بناء يسعى إلى النهوض بالمجتمع وتصحيح الأخطاء، وتحقيق التقدّم.
من هنا، تصبح الثقافة أداة فعّالة لتحفيز الأفراد على التفكير النقدي الصحيح الذي يهدف إلى إصلاح وتطوير المجتمعات، بدلاً من أن يكون النقد مجرّد رد فعل ضد الأوضاع الراهنة.
ولعل دور الجامعات في نشر الوعي الثقافي لا يمكن تجاهله، فالجامعات ليست مجرد أماكن لتعليم التخصّصات الأكاديمية، بل هي منصّات أساسيّة لتعريف الأفراد بشخصيّتهم الثقافيّة، في هذا الصدد، يشير الدكتور العبد الله إلى أنّ الجامعات ينبغي أن تلعب دوراً محورياً في نشر الوعي الثقافي وتعريف الطلاب بالتراث، لأن التراث يمثل هويّة المجتمع، ويعكس ماضيه وحاضره ومستقبله، كما يضيف، إن الأفراد الذين لا يقدرون التراث، أو لا يعيرونه الاهتمام، يتجاهلون بذلك هويّتهم وتاريخهم، ما يؤدي إلى ضعف الانتماء والولاء للمجتمع.
من جهة أخرى، يُستدل من تصريح الدكتور العبد الله على أن الجامعات تساهم في تعزيز الهويّة الوطنيّة، حيث تسهم في تعزيز مفهوم الولاء والانتماء للوطن، من خلال نشر الوعي حول الحقوق والواجبات المدنيّة، وتوضيح دور المواطن في المجتمع.
كما تؤكّد الجامعات على أهميّة الحفاظ على البيئة، وتعليم الأفراد كيفية التعامل مع الموارد الطبيعية بشكل مسؤول، ما يعزز الوعي الثقافي البيئي.
الثقافة ودورها في الصّحة النفسيّة
وفي إطار تأثير الثقافة على الصّحة النفسيّة، تؤكد الدكتورة سلوى شعبان، اختصاصيّة الصّحة النفسية، على الدور الكبير الذي تلعبه الثقافة في تحسين صحة الأفراد النفسية.
وفقا للدكتورة سلوى، إن الثقافة هي “الطريق إلى الصحة النفسية والرفاه النفسي”، فهي لا تقتصر على كونها مجرد شكل من أشكال الترفيه أو الاستمتاع، بل هي عنصر أساسي في بناء شخصية الأفراد، خاصةً في مواجهة الضغوطات النفسية اليومية، وتشير الدكتورة سلوى إلى أن الفنون، مثل الموسيقا والفن التشكيلي، يمكن أن تساعد الأفراد في تخفيف التوتر والقلق، حيث تعمل على تهدئة العقل ورفع الحالة المزاجية.
وتعتبر الموسيقا، على سبيل المثال، مصدراً كبيراً للطاقة الإيجابية، ما يساعد على تحسين المزاج وتخفيف التوتّر الناتج عن ضغوط الحياة اليوميّة، إضافة إلى ذلك، تؤكد أن غياب هذه الأنشطة الثقافيّة يمكن أن يؤدي إلى مشكلات سلوكيّة ونفسيّة خطيرة على الأفراد.
الثقافة الصحية وتأثيرها على الترابط الاجتماعي
من جانب آخر، تشدد الدكتورة سلوى على أن الثقافة الصحية تعد أحد الركائز الأساسية لبناء مجتمع متماسك نفسياً واجتماعياً. فالمجتمع الذي يسود فيه الوعي الثقافي الصحي يكون أكثر قدرة على بناء علاقات اجتماعية قوية ومستدامة بين أفراده. من خلال المشاركة في الأنشطة الثقافية والتطوعية، يخلق الأفراد روابط إجتماعية قويّة، حيث تساهم هذه الأنشطة في تخفيف التوتر النفسي، وتحسين المزاج، وتعزيز الشعور بالانتماء.
كما توضح أن المشاركة في الأعمال التطوعيّة والعمل الجماعي تساهم بشكل كبير في تقوية المجتمع وتحقيق التماسك الاجتماعي، فعندما يتفاعل الأفراد مع بعضهم بعضاً في هذه الأنشطة، يتعلّمون كيفيّة التعاون، ويسهمون في بناء مجتمع أكثر تلاحماً وقوة.
دور الأسرة في تعزيز الثقافة الاجتماعية
لا يمكن إغفال الدور الحيوي للأسرة في نقل الثقافة الاجتماعية إلى الأفراد.
وفقاً لآراء العديد من الخبراء، فإن الأسرة هي الأساس الذي يقوم عليه بناء القيم الثقافية والاجتماعية، إذا كانت الأسرة تشجع على التسامح، والاحترام، والتعاون، فإن هذه القيم ستنتقل إلى المجتمع بأسره.
فالأسرة تمثل أول وأهم خلية في المجتمع، ومن خلالها يتم تشكيل السلوكيات والعلاقات الاجتماعية، إذا نظرنا إلى تأثير الثقافة على البعد الاجتماعي من خلال الآراء التي طرحها كل من الدكتور محمد العبد الله والدكتورة سلوى شعبان، نجد أن الثقافة ليست مجرد ترف اجتماعي، بل هي ضرورة لا غنى عنها لتحقيق التنمية الاجتماعية والنفسية.
فالثقافة تحفز التفكير النقدي، تعزز من الصحة النفسية، وتقوي الروابط الاجتماعية، كما تلعب دوراً كبيراً في الحفاظ على الهوية الوطنية وتوجيه سلوك الأفراد نحو التفاعل الإيجابي مع مجتمعهم.
إذاً، الثقافة هي العنصر الأساسي الذي يسهم في تقدم المجتمع وازدهاره.