الثورة – همسة زغيب:
جمعت حلقة الكتاب في المركز الثقافي في جرمانا، بالتعاون مع فريق “لنقرأ ونرتقي”، قُرّاءً ونقّاداً في جلسة نقاشية تناولت رواية “كائن لا تحتمل خفته” للكاتب التشيكي ميلان كونديرا، أحد أبرز أعمال الأدب الفلسفي في القرن العشرين،
وشهدت الجلسة مداخلات فكرية عميقة، من بينها مداخلة الأديبة هند الراضي، وصفت الرواية أنها “مرآة وجودية تعكس هشاشة الإنسان حين يهرب من المعنى، ويظن أن الخفة خلاص”.
أوضحت الراضي أن الرواية، التي نُشرت عام 1984، تدور حول أربع شخصيات رئيسة، كل منها يجسد وجهاً من وجوه الصراع الوجودي لكل من الشخصيات ومنها، “توماس”، الجراح الناجح، كان يعيش حياةً خفيفة، يرفض الالتزام العاطفي ويؤمن أن الحرية تكمن في التنقل بين العلاقات من دون مسؤولية، لكنه يكتشف تدريجياً أن هذه الخفة قد تكون عبئاً حين تفرغه من المعنى، خاصة بعد ارتباطه العاطفي بتيريزا.
أمّا “تيريزا”، مصورة حساسة، تحمل في داخلها ثقلاً وجودياً، ترى في الحب خلاصاً من العدم، وتبحث عن الجذور والهوية، علاقتها بتوماس تمثل صراعاً بين الرغبة في الاندماج والخوف من الانكسار، شخصيتها تمنح الرواية بعدها الإنساني العميق، والفنانة التشكيلية “سابينا”، متمردة على التقاليد، ترى في الخيانة فعلاً تحررياً، سواء في الفن أو العلاقات، ولكنها تعاني من هشاشة داخلية، وتدرك أن الهروب المستمر لا يمنحها الطمأنينة، بل يضاعف شعورها بالوحدة.
ويعيش الأكاديمي المثقف “فرانز” بين الواجبات الاجتماعية والرغبة في التحرر، يفتقر إلى العمق رغم ثقافته، ويظل ممزقاً بين عالمه الواقعي وأحلامه المثالية، مما يجعله رمزاً للتردد والضياع، وأشارت الراضي إلى أن الرواية تتميز ببنية سردية غير خطية، تتداخل فيها الأزمنة والتأملات، ويستخدم فيها كونديرا أسلوباً تحليلياً يمزج بين السرد الروائي والتفكير الفلسفي، كما تتخللها إشارات تاريخية، أبرزها اجتياح براغ عام 1968، الذي يشكل خلفية سياسية تعكس صراع الفرد مع السلطة والذاكرة.
وناقش الحضور رمزية بعض المشاهد في ختام الحلقة، وأجمعت الآراء على أن الرواية لا تقدّم إجابات، بل تفتح أبواباً للأسئلة، هل يمكن للإنسان أن يحيا بخفة دون أن يفقد ذاته؟ وهل الثقل، رغم ألمه، هو ما يمنح الحياة معناها الحقيقي؟.