طغيان النزعة الاستهلاكية.. إفراز عصري أم انحراف سلوكي؟

الثورة- هيثم قصيبة

كتب علماء النفس والتربية والاجتماع العديد من الدراسات والبحوث والمؤلفات الحديثة التي تدور حول رغبات وغرائز الإنسان البيولوجية الحيوية وظهرت مدارس فلسفية واجتماعية ونفسية معاصرة تهتم بهذه الرغبات والغرائز وتنظر إليها وفق مناهجها ومعاييرها وتوجهاتها ومرتكزاتها الفكرية، واجمعت غالبية مدارس علم الاجتماع المعاصر على أن إطلاق العنان الجامح لهذه الغرائز والرغبات والاحتياجات كي تتحرك باتجاهات متباينة سيؤدي بها إلى الانحراف بحيث تتحول طاقة الرغبة إلى شهوة منحرفة، فالرغبة بالتملك على سبيل المثال في حال عدم ضبطها وتهذيبها تنقلب إلى شهوة التملك ولقد أفرزت طبيعة الحياة الراهنة تمظهرات وتجاذبات جديدة ولدتها التطورات والمستجدات المتلاحقة، وتماشياً مع متغيرات العصر ومستحدثات الحياة الحالية برزت نزعات جامحة منبثقة عن الرغبات والغرائز والاحتياجات الإنسانية الضرورية، فاحتياجات الإنسان إلى المأكل و الملبس والمشروب مرتبطة بجوهر الكيان الإنساني وصميم وجوده واستمراره وهي احتياجات ملحة وضرورية لايمكن الاستغناء عنها على الإطلاق لكن عندما تتحول هذه الغرائز والاحتياجات إلى نزعات جامحة وشهوات استهلاكية متطرفة فإنها تحول الطاقة الإنسانية من طاقة منتجة فاعلة منطلقة منفتحة إلى طاقة منغقلة سلبية، وللوقوف الفعلي وتسليط الضوء على جموح وطغيان النزعة الاستهلاكية وهل تعود إلى إفراز فرضته الحياة الحديثة أم هي انحراف سلوكي مسيطر على الشخصية العصرية؟ استرشدت (الثورة ) بآراء المواطنين والخبراء:

ظاهرة فرضها العصر

الدكتور أحمد حسن أكد أن النزعة الاستهلاكية فرضها التطور الكمي المتراكم للسلع ولكافة ألوان وأشكال الحياة ومظاهرها، وأضاف موضحاً: بما أن الإنسان يميل بطبيعته الفطرية إلى التجديد وتلبية احتياجاته المتجددة، فهو يمتلك القدرة على التكيف والتأقلم مع مستجدات عصره وباعتبار هذا العصر هو عصر المكنة السلعية التي لا تتوقف عن الضخ وتقديم تشكيلة واسعة من المواد والسلع، فمن الشيء الطبيعي أن تتحول احتياجات الإنسان الطبيعية وغرائزه الفطرية كالحاجة إلى الطعام أو اللباس إلى نزعات قوية متأصلة في داخله بحيث يتجه إلى إغراق موائده ووفق ثرائه المادي بأفخر أنواع الحلويات والمكسرات والفاكهة وأشهى الأطباق المنوعة من اللحوم والأسماك، كما أن اهتمامه بهندامه ومظهره الخارجي يدفعه لملاحقة آخر مبتكرات الموضة والتصنيع في الملبوسات، وختم الدكتور كلامة مشدداً على أن طغيان النزعة الاستهلاكية فرضته طبيعة العصر الذي يسمى عصر الإنتاج السلعي والنمو الاستهلاكي والتراكم الكمي المتجدد.

رؤية مختلفة

أما السيد بسام الأحمد فيرى أن النزعة الاستهلاكية لها بواعثها ومسبباتها ومن بواعث نشوء النزعة أو خفوتها يعود إلى رؤية الإنسان إلى الحياة والوجود ومفهومه الدقيق حول طريقة عيشه، فالإنسان الذي ينظر إلى الحياة من زاوية مادية يستغرق في الاستزادة المفرطة من أشكالها وألوانها المادية ومتاعها الحسي.

ويضيف الأحمد موضحاً أن من ينظر إلى الحياة من زاوية معنوية فهو لاينجرف مع طغيان النزعة الاستهلاكية.

إذاً رؤية الإنسان إلى الحياة هي التي تحدد موقفه من التأقلم والتكيف مع مظاهر الحياة العصرية والسعي إلى النهم الذي لاتحده الحدود أو الضبط الرشيد المتوازن.

وبدورها أكدت المهندسة يسرى أن نزعة الاستهلاك تظهر بشكل قوي عندما تتوفر المقدرة الشرائية وبصورة خاصة عند المرأة التي تتابع حركة السلع الجديدة في الأسواق أكثر من الرجل بحيث تنجذب إلى الموضة ومتابعة آخر صيحاتها ومبتكراتها من الأزياء وأيضاً ملاحقة الجديد في العطورات والمساحيق وأدوات التجميل، هذا إضافة إلى التدقيق في آخر ابتكارات عمليات التجميل والبوتوكس والشفط والشد وغيرها من تمظهرات تجميلية والقيام بهذه العمليات وفق جموح الرغبة وطغيانها.

نظام السوق

وفي سياق متصل أوضح الاستاذ مجد خليل أن نظام السوق المعاصر هو الذي فرض على المجتمع الحالي سيلاً متدفقاً من السلع والمواد والحاجات الاستهلاكية العديدة، ما ساهم بشكل مباشر وفعال في خلق النزعة الاستهلاكية التي كانت من نتائج وإفرازات نظام السوق، ولفت إلى أن سياسة نظام السوق تعتمد على كافة الأساليب الدعائية والتسويقية التي تجذب الإنسان إلى شراء السلع ومراكمتها.

ونوه السيد مجد إلى ظاهرة اكتظاظ الأسواق بالمتسوقين ما يشير إلى أن هذا العصر هو عصر طغيان النزعة الاستهلاكية.

التراكم السلعي وطغيان الاستهلاك

الخبير المتخصص بعلم الاجتماع رأفت سليمان جاوب عن سؤالنا: هل طغيان نزعة الاستهلاك يعود إلى إفراز عصري طبيعي أم انحراف سلوكي؟ قائلاً: قبل أن نقيم الظاهرة علينا أن ندرس الظروف والمناخات التي ساهمت بظهورها، حيث من المعروف أن العصر الذي نعيش فيه تغيرت ملامحه وتوجهاته ومنظوماته الفكرية، حتى أن الكثير من الباحثين راح

يطلق على هذا العصر عصر التكنولوجيا المنتجة لأشكال لا تعد ولا تحصى من السلع، وأيضاً عصر الذكاء الاصطناعي في كافة الميادين، ما أحدث تغيرات في كل مفاصل الحياة وشؤونها ونتج عن المستجدات والمتغيرات احتياجات جديدة للإنسان فرضها التغير المجتمعي، فعلى سبيل المثال مصانع الألبسة الجاهزة تضخ يومياً في الأسواق أصنافاً وموديلات جديدة، وهذا الكم الهائل فرض استجابة نفسية وسلوكية على الإنسان المعاصر الذي اندفع إلى تلبية حاجاته الاستهلاكية، ومن هنا بدأت تطغى نزعة الاستهلاك ولكن إذا لم يتم ضبطها ستحول الإنسان إلى كائن مستهلك مستغرق في الاستهلاك، وبعد أن كان الإنسان يستهلك حاجاته الضرورية ليلبي نداء دوافعه تضخمت مع تزايد النمو السلعي والتراكم الإنتاجي نزعته الاستهلاكية وتحولت إلى نزعة استهلاكية طاغية.

آخر الأخبار
قلعة حلب .. ليلة موعودة تعيد الروح إلى مدينة التاريخ "سيريا بيلد”.  خطوة عملية من خطوات البناء والإعمار قلعة حلب تستعيد ألقها باحتفالية اليوم العالمي للسياحة 240 خريجة من معهد إعداد المدرسين  في حماة افتتاح معرض "بناء سوريا الدولي - سيريا بيلد” سوريا تعود بثقة إلى خارطة السياحة العالمية قاعة محاضرات لمستشفى الزهراء الوطني بحمص 208 ملايين دولار لإدلب، هل تكفي؟.. مدير علاقات الحملة يوضّح تطبيق سوري إلكتروني بمعايير عالمية لوزارة الخارجية السورية  "التربية والتعليم" تطلق النسخة المعدلة من المناهج الدراسية للعام 2025 – 2026 مشاركون في حملة "الوفاء لإدلب": التزام بالمسؤولية المجتمعية وأولوية لإعادة الإعمار معالم  أرواد الأثرية.. حلّة جديدة في يوم السياحة العالمي آلاف خطوط الهاتف في اللاذقية خارج الخدمة متابعة  أعمال تصنيع 5 آلاف مقعد مدرسي في درعا سوريا تشارك في يوم السياحة العالمي في ماليزيا مواطنون من درعا:  عضوية مجلس الشعب تكليف وليست تشريفاً  الخوف.. الحاجز الأكبر أمام الترشح لانتخابات مجلس الشعب  الاحتلال يواصل حرب الإبادة في غزة .. و"أطباء بلا حدود" تُعلِّق عملها في القطاع جمعية "التلاقي".. نموذج لتعزيز الحوار والانتماء الوطني   من طرطوس إلى إدلب.. رحلة وفاء سطّرتها جميلة خضر