الثورة- ترجمة هبه علي:
لقد تحركت دول الخليج بسرعة لتقديم المساعدة والاستثمار في سوريا، بعد الانهيار المفاجئ للدكتاتورية في البلاد، مستشعرة فرصة جديدة لتوسيع نفوذها في الشرق الأوسط.
وكان الرئيس السوري المخلوع، بشار الأسد، لفترة طويلة تحت سيطرة إيران، الخصم الإقليمي التقليدي لدول الخليج، وبعد أن أطيح به بشكل مفاجئ في كانون الأول الماضي، كان المسؤولون ورجال الأعمال من دول الخليج أول من بادر بمساعدة سوريا في بدء إعادة الإعمار.
وعندما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب في أيار الماضي- خلال زيارة رسمية إلى المملكة العربية السعوديةـ أنه سيعلق العقوبات الأميركية على سوريا، فقد أعطى ذلك حافزا وضمانة للمستثمرين لبذل المزيد من الجهد.
سددت قطر والمملكة العربية السعودية ديون سوريا للبنك الدولي البالغة 15.5 مليون دولار، مما جعل البلاد مؤهلة للحصول على منح لتمويل إعادة الإعمار بعد حرب مدمرة استمرت ما يقرب من 14 عاما.
وأعلنت شركات الطيران الخليجية المملوكة للدولة عن احتفالها باستئناف رحلاتها إلى العاصمة السورية دمشق، وكانت شركة موانئ دبي العالمية، وهي شركة تشغيل موانئ عالمية مملوكة لإمارة دبي، من أوائل الاستثمارات عندما وقعت مذكرة تفاهم بقيمة 800 مليون دولار مع الحكومة السورية لتطوير ميناء طرطوس الاستراتيجي على البحر الأبيض المتوسط، والذي كان موطناً لقاعدة بحرية روسية خلال الحرب.
وكانت سوريا جزءاً لا يتجزأ مما كان يعرف بـ”هلال النفوذ” الإيراني، الممتد من إيران إلى البحر الأبيض المتوسط عبر العراق وسوريا ولبنان.
وبينما يسعى الناس في سوريا، إلى إعادة بناء حياتهم من بين الأنقاض، ترى دول الخليج فرصة “لإعادة تشكيل النظام الإقليمي”، كما يقول بدر السيف، الأستاذ المساعد للتاريخ في جامعة الكويت: “أعتقد أننا، ولأول مرة، لدينا ما يوحد الكثير من الناس في المنطقة، وهو ضرورة التركيز على الاحتياجات الأساسية، لماذا لا أحصل على كهرباء على مدار الساعة، ولماذا لا أحصل على مياه نظيفة، وما شابه”؟
وأضاف: “يمكنكم قول ما تشاؤون عن دولنا الخليجية من حيث المشاركة السياسية: لكنهم على الأقل يخدمون شعوبهم، إلى حد ما”.
لقد عكست الحرب بين إسرائيل وإيران التي استمرت 12 يوماً، والتي انتهت بوقف إطلاق النار الأسبوع الماضي، مدى التحول الذي شهدته ديناميكيات القوة في الشرق الأوسط في غضون بضع سنوات فقط.
لو وقع صراع كهذا في السنوات الماضية، لربما كانت سوريا بمثابة منصة انطلاق لهجمات مدعومة من إيران على إسرائيل، لكن بدلًا من ذلك، بذلت الحكومة السورية الجديدة قصارى جهدها للبقاء بعيداً عن الصراع .
وقال السيف: إن التحول السريع الآن نحو التعامل الكامل مع سوريا الجديدة هو علامة على المرونة في السياسة الخارجية الخليجية.
وأضاف أن “سوريا توحدنا الآن في الخليج”، موضحا أن مساعدة البلاد على إعادة البناء تدفع حكومات الخليج إلى وضع المنافسة والمناوشات الإقليمية جانباً.
وقال خلف الحبتور الملياردير الإماراتي مؤخراً على مواقع التواصل الاجتماعي: “سوريا، رغم كل جراحها، تثبت أنها لا تزال أرضاً للحياة والعمل والطموح، ويضيف.. “إلى من يدعم هذه النهضة: استثمروا في عقول سوريا، وفي طاقاتها، وفي شعبها النبيل الذي لا يعرف الهزيمة”.
وقال الأكاديمي الكويتي السيف: إن التغييرات في سوريا تمثل رواية إيجابية نادرة في منطقة ابتليت بالعنف والقمع السياسي والفقر في العقود الأخيرة، “لا يزال لدينا اليمن الذي يعاني من مشاكل، والسودان وليبيا، ولكن لمرة واحدة منذ سنوات عديدة، لن تكون قصة واحدة قصة دماء وحرب ودمار، وهذا ما نطمح إليه، كما قال: “منطقة سليمة تعني خليجاً سليماً”.
المصدر- The New York Times