الثورة – سمر حمامة:
تُعد مشكلة السرقة عند الأطفال من السلوكيات التي تثير قلق الأهل وتدفعهم للبحث عن الأسباب والدوافع خلف هذا التصرف، الذي يُنظر إليه اجتماعياً وأخلاقياً بعين الخطورة.
لكن الواقع التربوي والنفسي يشير إلى أن هذا السلوك، رغم إزعاجه، غالباً ما يكون مؤقتاً إذا ما تم التعامل معه بطريقة علمية وهادئة، بعيداً عن العنف والتشهير.
فهل كل طفل يسرق هو طفل “سيئ”؟ ومتى يتحوّل هذا السلوك من مرحلة عابرة إلى اضطراب يحتاج إلى تدخل عميق؟ وكيف يمكن للأهل أن يتعاملوا مع الموقف بحكمة من دون التسبب في ضرر نفسي طويل الأمد لأطفالهم؟
بين الصدمة والخوف
أم سامي (لديها طفل في التاسعة) قالت: “تفاجأت أن ابني أخذ من حقيبتي مبلغاً صغيراً ليشتري به حلوى لأصدقائه.
في البداية شعرت بالانهيار، ظننت أني فشلت في تربيته، لكن بعد أن هدأت، جلست معه وسألته لماذا فعل ذلك، قال لي ببساطة: أردت أن يحبني أصدقائي، كان كلامه كالصفعة، أدركت أن هناك شيئاً أعمق من مجرد سرقة.
” أبو مجد (أب لطفلة عمرها 7 سنوات): “لاحظت أن ابنتي تعود أحياناً من المدرسة بأشياء ليست لها، كأقلام مميزة أو ألعاب صغيرة، وعندما سألتها قالت إنها أحبتها فقط، شعرت بالخوف من تطور الأمر، فذهبت إلى المدرسة وتحدثت مع المرشدة النفسية هناك، واتفقنا على أسلوب مشترك لإعادة هذه الأشياء وتعليمها مفهوم الملكية.
أم لانا (تعمل كمعلمة في روضة): “الأمر ليس نادراً، كثير من الأطفال يأخذون أشياء من دون إدراك تام لمعنى السرقة، في الروضة نواجه هذا أحياناً، ونحاول أن نغرس المفاهيم الأساسية مثل الاستئذان والفرق بين ما هو لك، وما هو للآخرين عبر القصص واللعب التمثيلي.
” أبو تيم (أب لطفل يعاني من فرط الحركة): “ابني يعاني من اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه، وهو يأخذ الأشياء أحياناً من دون وعي أو من باب الفضول، تم تشخيص حالته مؤخراً، والاختصاصية النفسية شرحت لنا أن هذا السلوك قد يكون مرتبطاً بصعوبة في تنظيم الانفعالات وليس بنية سيئة.
” السرقة.. متى تكون سلوكاً طبيعياً ومتى تحتاج تدخلاً متخصصاً؟
توضح المرشدة النفسية دارين السليمان لـ”الثورة” أن السرقة عند الأطفال لا تُفسر دائماً على أنها مؤشر انحراف أخلاقي أو خلل تربوي، بل قد تكون ناتجة عن،الفضول وضعف التمييز،خاصة في الأعمار ما دون السابعة، حيث لا يكون الطفل قد استوعب تماماً مفهوم “الملكية الفردية”.
الرغبة في لفت الانتباه: بعض الأطفال يسرقون لأنهم يشعرون بالإهمال أو النقص في الحب والاهتمام.
الضغط الاجتماعي: مثل محاولة كسب الأصدقاء أو مجاراة الآخرين. الاقتداء: تقليد سلوكيات مرئية، سواء في محيط العائلة أو في وسائل الإعلام.
اضطرابات سلوكية: مثل اضطراب التحدي المعارض أو اضطرابات السيطرة على الانفعالات، وهنا يحتاج الطفل إلى تقييم متخصص.
وتضيف: “المشكلة لا تكمن في حدوث السرقة لمرة أو اثنتين، بل في تجاهلها أو معالجتها بشكل عنيف يؤدي إلى ترسيخ الشعور بالذنب، وربما العناد، أو تحول السلوك إلى عادة خفية.
” كيف يتعامل الأهل بحكمة؟
خطوات عملية للتصحيح من دون أذى نفسي: الهدوء أولاً..
عندما يُكتشف السلوك، يجب أن يكون رد الفعل الأول هادئاً، الصراخ أو الإهانة لن يُصلح الطفل بل سيجعله يخفي أفعاله لاحقاً. الحوار المفتوح.. اسألي الطفل عن السبب، ودعيه يعبّر، كثير من الأطفال لا يدركون خطورة ما فعلوه، أو يكون لديهم دافع نفسي خفي يحتاج للفهم.
تعليم المفاهيم الأخلاقية،وذلك عبر القصص التربوية أو الأمثلة الواقعية، اشرحي له معنى الأمانة والملكية واحترام ممتلكات الآخرين.
إعادة الشيء المسروق.. يُفضل أن يشارك الطفل في إعادة الشيء إلى صاحبه مع الاعتذار إن أمكن، فهذا يعزز الشعور بالمسؤولية ويعلّمه نتائج أفعاله.
عدم التهويل أو التشهير.. لا يجوز وصف الطفل بـ”اللص” أو “السارق” أمام الآخرين، فهذا يخلق لديه صورة سلبية عن نفسه ويؤثر على ثقته. تعزيز السلوك الإيجابي.. امدحي الطفل عندما يتصرف بأمانة، وكوني قدوة له في احترام المال العام والخاص.
استشارة مختص عند الحاجة.. إذا تكرر السلوك رغم التوضيح والتوجيه، أو إذا كان الطفل يعاني من مشكلات سلوكية مرافقة (كالكذب، أو العدوانية)، فالتدخل النفسي المبكر ضروري لتقييم الحالة ووضع خطة علاجية.
من سلوك عابر إلى فرصة تربوية السرقة عند الأطفال ليست نهاية العالم، بل قد تكون بداية لحوار تربوي عميق يعزّز القيم ويقوّي العلاقة بين الأهل والطفل، إن تحويل لحظة الخطأ إلى درس في الصدق والمسؤولية هو جوهر التربية الحقيقية، فكل طفل يحتاج إلى من يفهمه قبل أن يحاكمه، ويصحّح له الطريق لا أن يُشعره بأنه ضائع لا أمل فيه.
فلتكن كل تجربة “مزعجة” تمرّ بها العائلة، فرصة لبناء إنسان أفضل، وفهم أعمق لنفس الطفل واحتياجاته.