الثورة – باريس – أحمد صلال :
يعيش رضا مع والديه في حيّ متوسطي بالجزائر العاصمة، يشغل منصباً في أكبر شركة هيدروكربون في البلاد، يديرها والده، الرجل البارد والمتسلّط.
خلف كل هذا المظهر الخارجي، يخفي رضا شعوراً عميقاً بالضيق، في أحد الأيام، يتوفى والده ويقع حدث غير متوقع.. وهو اختفاء رضا.
تم الكشف عن المخرج الجزائري كريم موساوي من خلال ثلاثة أفلام قصيرة وفيلم متوسط الطول، أيام الطليعة (2013)، والذي لاقى إشادة في العديد من المهرجانات ورُشح لجائزة سيزار.
بعد الفيلم الوثائقي Celles qui chantent (2020)، الذي شارك في إخراجه جعفر بناهي وسيرجي لوزنيتسا، تناول الرواية الطويلة بفيلمه الرائع En Attendant les hirondelles (نظرة ما 2017)، والذي تطرق إلى موضوع خالد وحديث، صعوبة التوفيق بين التقاليد والحداثة في بلد (وليس الجزائر فقط)، مع شخصيات من عدة طبقات من المجتمع الجزائري.
يستمر فيلم L’effacement (الإختفاء)، الذي شارك في كتابته مع مود أميلين، وشارك في إنتاجه فرنسا وألمانيا، على هذا المنوال، بإتقان تقني أكبر وقبل كل شيء غموض مقلق للشخصيات، بعيدا عن” المانوية” في العديد من الأفلام الاجتماعية والسياسية.
وفي الوقت نفسه، نجح موسوي في صياغة قصة ذات ذكاء بيضاوي نادر، حيث يمزج بين الأنواع بطريقة لا تسعى إلى مداعبة المشاهد.
يروي الفيلم قصة رضا، شابٌّ لطيفٌ (ظاهرياً) وصامتٌ من الطبقة المتوسطة العليا الجزائرية، يُهيمن عليه والده، وهو مسؤولٌ تنفيذيٌّ كبيرٌ في شركة نفطٍ عامةٍ كبرى، يُريد الأخير وضعه في موقعٍ استراتيجيٍّ يُمكّنه من التحكّم في الأمور، بينما يسعى أيضا إلى تزويجه بوريثةٍ ثرية.
يبدو رضا متردداً في قبول مطالب والديه، فتنقلب حياته رأساً على عقبٍ بسبب أحداثٍ عديدة، منها وفاة ربّ الأسرة واعتداءٌ عليه عندما أُجبر على أداء الخدمة العسكرية.
الفيلم الروائي، الذي يركز في البداية على حياة الشركة وتأثيراتها على مجموعة عائلية، مثل فيلم الموارد البشرية للمخرج لوران كانتيه، سرعان ما يتخذ بعدا آخر مع عناصر من الخيال والعنف المروع والمثل السياسي.
لتقدير فيلم “الاختفاء”، يجب أن ندع أنفسنا نستسلم لإيقاع القصة البطيء والقمعي، لا أن نبحث عن تفسيرات منطقية منهجية لسلوك البطل الغريب، الذي لا نعرف إن كان يواجه أحداثاً خارقة للطبيعة أم أن جنونا داخلياً ينخر فيه. وهكذا، يستدعي الفيلم ذكريات أعمال سينمائية أخرى لعبت على هذا الغموض، من فيلم “جميلة اليوم” لبونويل إلى فيلم “لا السماء ولا الأرض” غير المعروف لكليمان كوجيتور، وصولاً إلى فيلم “الطريق السريع المفقود” للينش.
ستبقى العديد من المشاهد خالدة في الأذهان، مثل مشهد الشاب الذي يضع ملاءة على المرايا التي ترفض عكس وجهه في غرفة فندق، في الوقت نفسه، يؤكد المخرج أنه راوي القصص بارعٌ، قادر على صياغة استعارات مؤثرة حول ثغرات المجتمع الجزائري، وعلاقاته الطبقية والجنسانية المعقدة “مشهد عنف مُرعب ضد شابة في مطعم راقٍ”، وكذلك الإهانات التي قد يتعرض لها في شبابه “إعلان فصله هاتفيا، من بين أمور أخرى”، بالإضافة إلى اختلافات المكانة الاجتماعية. لذا، يُعد فيلم “الاختفاء” أفضل أفلام مؤلفه.