الثورة – مهند الحسني:
لا نغالي كثيراً إذا قلنا إن السلة السورية متراجعة، وباتت غير قادرة على العودة للسكة الصحيحة، بعد سلسلة من الظروف الصعبة التي شهدتها البلاد في الفترة السابقة، والتي ساهمت في تراجعها وإدخالها في غرفة الإنعاش.
تعلمنا في أدبياتنا أن المنطق لا يسمح لك بالبحث عن النتيجة بعيداً عن أسبابها، كما أن الحس السليم يصر على أن تضع الحصان أمام العربة، إذا كنت تريد الوصول إلى هدفك في نهاية الطريق، وهكذا هي الأحلام تبدأ صغيرة، ونحلم بتحقيقها، وما أن تتحقق حتى نتركها ونتطلع لأحلام أكبر، حلمنا بدخول الاحتراف على سلتنا والحمد لله تحقق، ولكننا لم نستطع أن نحلم بالأفضل، لأننا كسرنا قاعدة التطلع، وبدأنا نطلق الآهات على أيام الهواية، واسمحوا لي أن اسميها أيام تخلفنا الرياضي، عندما كنا نلهث بأقدام هاوية وراء كرة لا تملك من مقومات حضورها أكثر من الهواء الذي يحشو جوفها، والحب الذي يكنه لها أبناؤها، ماذا فعل فينا الاحتراف، هاتوا نادياً واحداً لم تثقله الأعباء المالية، اذكروا اسم لاعب لم يعلن “حرده” في ناديه بسبب فهمه الخاطئ للاحتراف، أشيروا لنا على فريق حافظ على مستواه لموسمين متتاليين بعد دخول الاحتراف، لنتعرف أننا نفتقد النضج السلوي، وبأننا لم نتخلص من أميتنا السلوية، وبأن العديد من عناصر اللعبة يفتقد لأبجديات اللعبة.
مفهوم خاطئ
من المعروف أن الاحتراف هو السبيل الوحيد لتطوير أي رياضة، لكونه يبني اللاعب على أسس رياضية علمية بحتة، لكن احترافنا لم يكتمل، وجاء منقوصاً وباهتاً، وساهم في تراجع أنديتنا ورياضتنا دون أن ندري، ومن يمعن النظر في طريقة إدارتنا وتعاطينا للاحتراف، يدرك بأننا لم نعرف من الاحتراف سوى تنظيم عقود اللاعبين والمدربين برواتب خيالية، وابتعدنا عن الثقافة الاحترافية الصحيحة، فبات هم اللاعب فقط ملء جيوبه بالأموال، دون أن يعرف ما له وما عليه، الشيء الذي جعل أنديتنا تئن تحت وطأة الأعباء المالية نتيجة تجاوزاتها للأنظمة المعمول بها في نظام الاحتراف، لذلك لن نظلم الاحتراف، فنحن ما زلنا نؤكد أن الاحتراف الصحيح هو الطريق الوحيد للارتقاء بمستوى سلتنا، والوصول بها إلى المستوى النوعي الذي يمكّنها من مجاراة المستويين العربي والقاري، لكن احترافنا كان أشبه بمن اشترى سيارة من أحدث الموديلات دون أن يجيد قيادتها، فالأنظمة والنصوص التي وضعت في نظام الاحتراف كان معظمها حبراً على ورق، لافتقادنا للأرضية المناسبة لزرع نبتة الوافد الجديد، والأهم من هذا كله عدم توفر الإمكانات المادية، والتي من شأنها الارتقاء بالاحتراف، لتأتي فوائده اليانعة على مستوى رياضتنا، وما زلنا عند رأينا وقناعتنا بأن احترافنا لن ينجح، وسلتنا لن تتطور في ظل وجود إدارات هاوية، وغير ناضجة احترافياً، وهذا ينطبق على كل مفاصل اللعبة.
لذلك لابد من الارتقاء بالمسابقات المحلية (الدوري والكأس) وارتفاع مستوى الأندية فردياً وجماعياً لا بد من أن ينعكس إيجاباً على المنتخبات الوطنية، فالدوري القوي لابد أن يفرز منتخباً قوياً، إلا أن هذا الأمر لم يحدث لدينا بعد مضي سنوات طويلة على دخول الاحتراف أجواء سلتنا، والدليل تراجع منتخباتنا وأنديتنا في جميع الاستحقاقات، وخروجها من الأدوار التمهيدية دون أن تحقق أي نتائج توازي هذا الاحتراف، ما يوصلنا لنتيجة مفادها أن احترافنا غير ناضج، وبحاجة لإعادة تقييم بما يتماشى مع الواقع المزري الذي تعيشه سلتنا في ظل احتراف أعرج بقدم واحدة.
حقائق وتراجع
يبدو أن محاولات العطار لن تصلح ما أفسده الدهر، فواقع منتخبات السلة لا يبشر بالخير، نتيجة العمل العشوائي الذي بدا واضحاً على مسيرة الاتحادات السابقة، حيث كان له تأثير سلبي على طريقة الإعداد وتوفير الإمكانات المادية المتاحة، فبقيت هذه المنتخبات ومشاركاتها تدور في دائرة مغلقة دون أن يكون هناك بصيص أمل للخروج من عنق الزجاجة التي وجدت نفسها فيها.
خلاصة الكلام لا يمكن أن نبني بناء متيناً وأن نستبدل التراب بالإسمنت، ولا البلاستيك بالحديد، والأفضل وقتها ألا نبني أبداً إذا كانت مقومات البناء غير متوافرة، وغير موجودة، وهذا ما ينطبق على منتخبات السلة في الفترة الحالية، فالأفضل لاتحاد السلة أن يعلنها على الملأ، ويقدم اعتذاره عن المشاركات الخارجية لمنتخباته، فذلك أفضل بكثير من المشاركة بعناوين قاتمة لا يمكن أن تبشر بغدٍ مشرق، ونتائج جيدة لمنتخباتنا الوطنية في جميع فئاتها.