النباتات البحرية “الطحالب”.. ثروة منسية واقتصاد خارج الاستثمار

الثورة – سنان سوادي:

يمتد الساحل السوري على طول 180 كم، وتحتوي البيئة البحرية السورية على العديد من الثروات الطبيعية القادرة على دعم الاقتصاد الوطني فيما لو تم استخدامها واستثمارها بطرق فعالة ومدروسة، ويعتبر النظام البيئي المائي من أكبر الأنظمة في العالم، يغطي نحو 70 بالمئة من سطح الأرض.

تشكل النباتات البحرية أحد القطاعات الغذائية والطبية والاقتصادية الغنية بمحتواها، والهامة لرفد عملية التنمية الاقتصادية المستدامة، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية العالمية والركود الاقتصادي، واستنزاف الموارد الطبيعية، وزيادة نسبة البطالة.

الشاطئ غني بالنباتات

الاختصاصية في مجال العوالق النباتية البحرية- ورئيس قسم البيولوجيا في مركز البحوث البحرية الدكتورة فيروز درويش قالت لـ “الثورة”: تتواجد الطحالب في المياه العذبة والمالحة، وتعتبر مصدراً غنياً بالبروتينات والكربوهيدرات والليبيدات ومضادات الأكسدة والفيتامينات والعناصر المعدنية، ولاسيما الندرة كاليود والتوتياء، فطحلب Fucus.sp يحتوي على كمية من اليود تصل إلى أكثر من 20 ألف مرة من الكمية الموجودة المحيطة به ويستخدم اليود المستخرج منه في علاج أمراض الغدة الدرقية، ونظراً لسرعة نموها وانتشارها يمكن الاستفادة منها اقتصادياً، وتستخدم كغذاء للإنسان منذ آلاف السنين ولاسيما في دول شرق آسيا، ويعتبر طحلب porphyra العنصر الرئيسي في صناعة طبق السوشي.

وأضافت د. درويش تستخدم الطحالب في عمل الكثير من الأطعمة والسلطات والحساء وصنع الحلويات والمشروبات، فمادة الآغار المستخرجة من الطحالب تستخدم على نطاق واسع ضمن الصناعات الغذائية والطبية، والوقاية من الأمراض، وأهم ما يميز المواد الطبية المستخلصة من الطحالب أنها لا تحتوي على تأثيرات جانبية مقارنة مع المواد الكيميائية، فبعضها يستخدم في علاج الضعف الجنسي والضغط والسكري وعلاج الحروق وبعض أمراض جهاز الهضمي.

وأشارت إلى ازدياد الاهتمام العالمي بالدراسات المتعلقة بالعوائق النباتية، مما يؤكد الأهمية الاقتصادية والتطبيقية للعديد من الأنواع لاستخداماتها المتنوعة ضمن مجالات مختلفة فعلى سبيل المثال يستخدم Chlorelio.sp كبديل للوقود الحيوي الذي يوفر احتياجاتنا من الطاقة البديلة في المستقبل، ويعتبر الوقود الحيوي صديقا للبيئة بالإضافة لسهولة الحصول عليه وإنتاجه بأي وقت فتكاليف إنتاجه منخفضة، وتعتبر البرازيل من أكثر الدول الرائدة في استخدام الوقود الحيوي.

وبينت د. درويش أن الدراسات التي اهتمت بدراسة تنوع وغزارة الطحالب في سوريا بدأت منذ بداية السبعينات في القرن الماضي، ومعظم تلك الدراسات اهتمت بدراسة التغيرات الزمانية والمكانية، والتنوع الحيوي الطحالب والعوائق النباتية (الطحالب المجهرية) تحت شروط البيئة، وأشارت تلك الدراسات إلى أن معظم الأنواع الهامة اقتصادياً منتشرة بغزارة على طول الشاطئ السوري، وأهمها الأجناس المنتمية للطحالب (Ectocarpus.sp – Gelidim.sp Sargassum.sp)، والأجناس المنتمية للعوائق النباتية Tetraselmis.
وأوضحت أنه خلال الخمسة عشرة السنة الماضية بدأت أغلب الدراسات تتوجه نحو تنمية الطحالب وبشكل خاص العوائق النباتية (الطحالب المجهرية) ضمن مخابر المعهد العالي للبحوث البحرية وتحت شروط نمو مثالي من حرارة وإضاءة ومغذيات وأشارت تلك الدراسات إلى إمكانية الحصول على حصاد وفير منها مخبرياً ذات تأثيرات إيجابية على الأحياء المائية والثروة السمكية بصورة عامة وتعود بالفوائد الاقتصادية والطبية والصناعية.

وبدأت حديثاً تنمية واستزراع الطحالب في مخابر المعهد العالي للبحوث البحرية ضمن الوسط الخارجي على نطاق ضيق لعدم توفر الإمكانيات نظراً لارتفاع تكاليف تلك التجارب أن تنمية الطحالب ضمن الأحواض المائية مع تأمين شروط مثلى (حرارة- إضاءة- مغذيات) يحتاج إلى إمكانيات ضخمة، لذلك لابد من دعم تلك التجارب من قبل الجهات المختصة ليتم استثمارها لاحقاً من قبل جهات استثمارية مختلفة في مجالات تطبيقية متنوعة كالطب والصيدلة والصناعات الغذائية.

ثروة منسية

رئيس الجمعية العلمية السورية للأعشاب الطبية والطب التكميلي والتجانسي والتغذية وعضو هيئة تدريسية في جامعة المنارة الدكتور شادي خطيب، أشار إلى أن الطحالب تُعد من أكثر النباتات البحرية استغلالاً عالمياً بسبب تطبيقاتها المتعددة في التغذية، الطب، الصناعة، الزراعة، والصيدلة. تتميز الطحالب بغناها بالعناصر المعدنية، الفيتامينات، الألجينات، المانيتول، والمركبات الحيوية الفعالة، مثل المضادات للجراثيم والفيروسات والأورام، وقد أجريت عدة دراسات لمختصين سوريين لتقييم تأثير مستخلصات الطحالب (الحمراء، الخضراء، السمراء) في تثبيط النمو الجرثومي، مما يدعو إلى تعميق البحث الكيميائي واستزراع الأنواع الطبية لاستخلاص بدائل للمضادات الحيوية، خاصة مع انتشار ظاهرة مقاومة الجراثيم الممرضة للصادات الحيوية.

وأكد د. خطيب أنه وعلى الرغم من قيام المعهد العالي للبحوث البحرية بجهود رائعة في استكشاف هذه الثروة الوطنية، إلا أن الشاطئ السوري يضم تنوعاً كبيراً من الطحالب غير المدروسة جيداً، التي تحتوي على أكثر من 60 عنصراً نادراً بتركيزات تفوق النباتات الأرضية، إلى جانب البروتينات، اليود، البروم، والفيتامينات. تشير الدراسات إلى أن الطحالب البنية تُعيق هضم الدهون فتساعد بذلك في التنحيف وإنقاص الوزن، بينما تزيد الطحالب الخضراء حساسية الأنسولين وتخفض الكوليسترول الضار لذلك تعتبر داعم رئيسي لمرضى السكري وارتفاع الشحوم الثلاثية والكولسترول في الدم.

وقد أثبتت الدراسات الحديثة أهمية استخدام المنتجات البحرية في مستحضرات التجميل ومنتجات العناية بالبشرة بسبب خصائصها المرطبة والمغذية الغنية وخصائصها الفريدة، حيث تشمل المنتجات البحرية الرئيسية الطحالب ومياه البحر ومستخلصات اللؤلؤ والكولاجين البحري والألياف البحرية والشعب المرجانية وحيوانات البحر والجيلاتين والكيتين ومشتقاته، التي كمستحضرات تجميل مثل أقنعة الوجه والمرطبات والمنظفات ومستحضرات التقشير والمضادة لأكسدة البشرة.

وأضاف د.خطيب تُعد المنتجات الطبيعية البحرية على وجه الخصوص مصادر واعدة لتطوير صناعة مستحضرات التجميل في سوريا، مع تطور وانتشار صناعة المستحضرات الصيدلانية، قمنا بتحضير مستحضر طبيعي من الطحالب البحرية كمصدر لحمض الهيالورنيك والكولاجين البحري وتم الحصول على براءة اختراع مسجلة وعدة جوائز عالمية في كندا وألمانيا عن هذه البراءة.

الجوانب الاقتصادية

وبين أن المنتجات البحرية استخدمت من قبل اليونانين في صناعة أحمر شفاه، وتحدث الرازي عن طلاء الوجه، واستخدمها الزهراوي في خضاب الشعر وعطور أظفار الطيب. وأكدت الدراسات الحديثة أهميتها في توفير مصدر مستدام لتحضير العديد من المنتجات سواء الغذائية أو الطبية أو التجميلية.

وتستخدم المنتجات البحرية في أدوية مضادة للسرطان، مثل الترابكتيدين والإريبولين، مستمدة من الطحالب والإسفنج. على الرغم من التحديات مثل الحصاد المستدام والتخليق، تقدم التكنولوجيا الحيوية فرصاً للابتكار، مما يدعم الصناعات الدوائية.
يقدم استخدام المنتجات البحرية جبهة واعدة في تحضير الأدوية الصيدلانية السامة للخلايا السرطانية، وتوفر فرصاً كبيرة لعلاجات سرطان مبتكرة. إن مواصلة البحث متعدد التخصصات والتعاون ضروريان لاستغلال الإمكانات الكاملة للتنوع البيولوجي البحري في مكافحة السرطان وتحسين نتائج الصحة العالمية.

الاستدامة والتكنولوجيا

وأوضح د. خطيب أن الابتكار والتكنولوجيا يعتبران محركين رئيسيين للاستدامة، سواء في المنتجات أو العمليات. وأدى إرتفاع الطلب على مستحضرات التجميل “الصديقة للبيئة” واهتمام التكنولوجيات النظيفة وترشيد الاستخدام العقلاني للموارد إلى اعتماد منهجيات دورة الحياة (LCA). تشمل LCA ثلاث مراحل: تحديد الأهداف ونطاق النظام، بناء قائمة دورة الحياة مع المدخلات والمخرجات، وتقييم التأثير لكل مرحلة مع اقتراح تحسينات، وتطبيق هذا النهج على الطحالب يضمن استدامتها ويحسن كفاءتها الاقتصادية.

أظهرت دول مثل النرويج وأستراليا نجاحاً في استثمار الطحالب، حيث حققت النرويج زيادة 15 بالمئة في دخل الصادرات البحرية عام 2023، بينما أضافت أستراليا 200 مليون دولار سنوياً من الوقود الحيوي.

وفي سوريا، يمكن استزراع الطحالب على أراضٕ جرداء، مما يخلق فرص عمل ويوفر عملة صعبة، خاصة مع قدرتها على امتصاص ثاني أكسيد الكربون وإنتاج زيوت خالية من المركبات الضارة.

تمثل النباتات البحرية ثروة اقتصادية وطبية ضخمة تحتاج إلى استثمار مدروس، من خلال الدراسات المتقدمة، التكنولوجيا المستدامة، والتعاون الدولي، يمكن لسوريا تحقيق تنمية مستدامة ودعم الصحة العالمية، مستفيدة من خبرات دول رائدة في هذا المجال.

آخر الأخبار
بعد حسم خيارها نحو تعزيز دوره ... هل سيشهد الإنتاج المحلي ثورة حقيقية ..؟  صرف الرواتب الصيفية شهرياً وزيادات مالية تشمل المعلمين في حلب  استجابة لما نشرته"الثورة "  كهرباء سلمية تزور الرهجان  نهج استباقي.. اتجاه كلي نحو  الإنتاج وابتعاد كلي عن الاقتراض الخارجي  الهوية البصرية الجديدة لسوريا .. رمز للانطلاق نحو مستقبل جديد؟ تفعيل مستشفى الأورام في حلب بالتعاون مع تركيا المؤتمر الطبي الدولي لـ"سامز" ينطلق في دمشق غصم تطلق حملة نظافة عامة مبادرة أهلية لحفر بئر لمياه الشرب في معرية بدرعا السيطرة  على حريق ضخم في شارع ابن الرشد بحماة الجفاف يخرج نصف حقول القمح الإكثارية بدرعا من الإنتاج  سوريا نحو الانفتاح والمجد  احتفال الهوية البصرية .. تنظيم رائع وعروض باهرة "مهرجان النصر" ينطلق في الكسوة بمشاركة واسعة.. المولوي: تخفيضات تصل إلى 40 بالمئة "الاقتصاد": قرار استبدال السيارات مزور مجهولون في طرطوس يطلبون من المواطنين إخلاء منازلهم.. والمحافظ يوضح بمشاركة المجتمع الأهلي.. إخماد حريق في قرية الديرون بالشيخ بدر وسط احتفالات جماهيرية واسعة.. إطلاق الهوية البصرية الجديدة لسوريا الشيباني: نرسم ملامحنا بأنفسنا لا بمرايا الآخرين درعا تحتفل .. سماءٌ تشهد.. وأرضٌ تحتفل هذا هو وجه سوريا الجديد هويتنا البصرية عنوان السيادة والكرامة والاستقلال لمستقبل سورية الجديدة